لَا أَرَى مَعَكُمْ رَجَّالَةً [١] وَالْقَوْمُ ذَوُو رِجَالٍ [٢] وَفُرْسَانٍ، وَالْقَوْمُ كَرَادِيسُ.
قَالَ: فَعَبَّأَ سُلَيْمَان بْنُ صُرَدَ كِنَانَتَهُ، وَانْتَهَى إِلَى عَيْنِ الْوَرْدَةِ، فَنَزَلَ فِي غَرَبِيَّهَا، وَأَقَامَ خَمْسًا، فَاسْتَرَاحُوا وَأَرَاحُوا خُيُولَهُمْ، ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنْ قُتِلْتُ فَأَمِيرُكُمُ الْمُسَيَّبُ، فَإِنْ أُصِيبَ فَالْأَمِيرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ نُفَيْلٍ، فَإِنْ قُتِلَ فَالْأَمِيرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ وَالٍ، فَإِنْ قُتِلَ فَالْأَمِيرُ رِفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ، رَحِمَ اللَّهُ مَنْ صَدَقَ مَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَهَّزَ الْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ فِي أَرْبِعِمِائَةٍ، فَانْقَضُّوا عَلَى مُقَدِّمَةِ الْقَوْمِ، وَعَلَيْهَا شُرَحْبِيلُ بْنُ ذِي الْكَلَاعِ، وَهُمُ غَارُّونَ، فَقَاتَلُوهُمْ فَهَزَمُوهُمْ، وَأَخَذُوا مِنْ خَيْلِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ وَرَدُّوا، فَبَلَغَ الْخَبَرُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ.
فَجَهَّزَ إِلَيْهِمْ الْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ فِي اثْنَى عَشَرَ أَلْفَا، ثُمَّ رَدَفَهُمْ بِشُرَحْبِيلَ فِي ثَمَانِيَةِ آلَافٍ، ثُمَّ أَمَدَّهُمْ مِنَ الصَّبَاحِ بِأَدْهَمَ بْنِ مُحْرِزٍ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، وَوَقَعَ الْقِتَالُ، وَدَامَ الْحَرْبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قِتَالًا لَمْ يُرَ مِثْلَهُ، وَقُتِلَ مِنَ الشَّامِيِّينَ خَلْقٌ كَثِيرٌ. وَقُتِلَ مِنَ التَّوَّابِينَ- وَكَذَا كَانُوا يُسَمَّوْنَ، لِأَنَّهُمْ تَابُوا إِلَى اللَّه مِنْ خِذْلَانِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَاسْتُشْهِدَ أُمَرَاؤُهُمُ الْأَرْبَعَةُ، لَمْ يُخْبِرْ رِفَاعَةُ بِمَنْ بَقِيَ وَرُدَّ إِلَى الْكُوفَةِ، وَكَانَ الْمُخْتَارُ فِي الْجَيْشِ، فَكَتَبَ إِلَى رِفَاعَةَ بْنِ شَدَّادٍ:
مَرْحَبًا بِمَنْ عَظَّمَ اللَّهُ لَهُمُ الْأَجْرَ، فَأَبْشِرُوا إِنَّ سُلَيْمَانَ قَضَى مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكْنُ بِصَاحِبِكُمُ الَّذِي بِه تُنْصَرُونَ، إِنِّي أَنَا الْأَمِيرُ الْمَأْمُونُ، وَقَاتِلُ الْجَبَّارِينَ، فَأَعِدُّوا وَاسْتَعِدُّوا، وَكَانَ قَدْ حَبَسَهُ الْأَمِيرَانِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ، فَبَقِيَ أَشْهُرًا، ثُمَّ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَشْفَعُ فِيهِ إِلَى الْأَمِيرَيْنِ، فَضَمِنَهُ جَمَاعَةٌ وَأَخْرَجُوهُ، وَحَلَّفُوهُ فَحَلَفَ لَهُمَا مُضْمِرًا لِلشَّرِّ، فَشَرَعَتِ الشِّيعَةُ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ وَأَمْرُهُ يُسْتَفْحَلُ [٣] .
وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ احْتَرَقَتْ فِي الْعَامِ الْمَاضِي مِنْ مجمر، علقت النار في
[١] في نسخة القدسي ٢/ ٣٧٠: «رجال» ، والتصحيح من تاريخ (الطبري ٥/ ٥٩٥) .[٢] في نسخة القدسي ٢/ ٣٧٠ «رجالا» .[٣] الخبر في الطبري مطوّلا ٥/ ٥٩٣- ٦٠٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute