ترى إلى قول يوسف ﵇ لملك مصر: ﴿اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ اَلْأَرْضِ﴾ ففعل فأغيث بمصر وخزائنها يومئذ كل حاضر، وباد من جميع الأرض، وقال تعالى: ﴿وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي اَلْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ﴾ [يوسف/ ٥٦]، فكان ليوسف بسلطانه بمصر جميع سلطان الأرض كلها لحاجتهم إليه، وإلى ما تحت يديه، وقال تعالى مخبرا عن موسى ﵇ أنه قال: ﴿رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اِطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاُشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوُا اَلْعَذابَ اَلْأَلِيمَ﴾ [يونس/ ٨٨]، وقال تعالى: ﴿عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي اَلْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف/ ١٢٩]، وقال تعالى: ﴿وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي اَلْأَرْضِ اَلْفَسادَ﴾ [غافر/ ٢٦] يعني أرض مصر، وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي اَلْأَرْضِ﴾ [القصص/ ٤] يعني أرض مصر، وقال تعالى حكاية عن بعض إخوة يوسف ﵇: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ اَلْأَرْضَ﴾ [يوسف/ ٨٠] يعني أرض مصر، وقال تعالى: ﴿إِنْ تُرِيدُ إِلّا أَنْ تَكُونَ جَبّاراً فِي اَلْأَرْضِ﴾ [القصص/ ١٩] يعني أرض مصر. قال ابن عباس ﵁: سميت مصر بالأرض كلها في عشرة مواضع من القرآن، فهذا ما يحضرني مما ذكرت فيه مصر من آي كتاب اللّه العزيز.
وقد جاء في فضل مصر أحاديث: روى عبد اللّه بن لهيعة من حديث عمرو بن العاص أنه قال: حدّثني عمر أمير المؤمنين ﵁ أنه سمع رسول اللّه ﷺ يقول: «إذا فتح اللّه عليكم بعدي مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض». قال أبو بكر ﵁: ولم ذلك يا رسول اللّه؟ قال:«لأنهم في رباط إلى يوم القيامة». وعن عمرو بن الحمق (١): أن رسول اللّه ﷺ قال: « … تكون فتنة أسلم الناس فيها أو خير الناس فيها الجند الغربيّ … ». قال: فلذلك قدمت عليكم مصر، وعن تبيع بن عامر الكلاعيّ قال: أقبلت من الصائفة فلقيت أبا موسى الأشعريّ ﵁ فقال لي: من أين أنت؟ فقلت: من أهل مصر، قال: من الجند العربيّ؟ فقلت: نعم، قال: الجند الضعيف؟ قال:
قلت: أهو الضعيف؟ قال: نعم، قال: أما إنه ما كادهم أحد إلا كفاهم اللّه مؤنته، اذهب إلى معاذ بن جبل حتى يحدّثك قال: فذهبت إلى معاذ بن جبل فقال لي: ما قال لك الشيخ فأخبرته، فقال لي: وأيّ شيء تذهب به إلى بلادك أحسن من هذا الحديث، أكتبت في أسفل ألواحك، فلما رجعت إلى معاذ أخبرني أن بذلك أخبره رسول اللّه ﷺ، وروى ابن وهب من حديث صفوان بن عسال قال: سمعت رسول اللّه ﷺ يقول: « … فتح اللّه بابا للتوبة في الغرب عرضه سبعون عاما لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه … ». وروى ابن لهيعة من حديث عمرو بن العاص: حدّثني عمر أمير المؤمنين ﵁، أنه سمع
(١) صحابي شهد مع علي حروبه، ورحل إلى مصر ثم الموصل فطلبه معاوية فأخذ عامل الموصل رأسه وبعثه إلى معاوية سنة ٥٠ هـ. الأعلام ج ٧٧/ ٥.