إلى الأرض خمسة أنهار: سيحون، وهو نهر الهند، وجيحون، وهو نهر بلخ، ودجلة والفرات، وهما نهرا العراق، والنيل وهو نهر مصر، أنزلها اللّه تعالى من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل ﵇، واستودعها الجبال، وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم، وذلك قوله ﷿: ﴿وَأَنْزَلْنا مِنَ اَلسَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي اَلْأَرْضِ﴾ [المؤمنون/ ١٨] فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل اللّه تعالى جبريل ﵇، فرفع من الأرض القرآن كله، والعلم كله، والحجر من ركن البيت، ومقام إبراهيم، وتابوت موسى بما فيه، وهذه الأنهار الخمسة، فيرفع كل ذلك إلى السماء، فذلك قوله تعالى: ﴿وَإِنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ﴾ [المؤمنون/ ١٨] فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقدت أهلها خير الدنيا والدين، وقال ابن لهيعة عن عقبة بن عامر الحضرميّ عن حيان بن الأعين عن عبد اللّه بن عمرو قال: إنّ أوّل مصر خرابا أنطابلس، وقال الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن سالم بن أبي سالم عن عبد اللّه بن عمرو قال: إني لأعلم السنة التي تخرجون فيها من مصر قال: فقلت له: ما يخرجنا منها يا أبا محمد، أعدوّ؟ قال: لا، ولكن يخرجكم منها نيلكم هذا، يغور فلا تبقى منه قطرة حتى تكون فيه الكثبان من الرمل، وتأكل سباع الأرض حيتانه.
[ذكر خراب الفسطاط]
وكان لخراب مدينة فسطاط مصر سببان: أحدهما: الشدّة العظمى التي كانت في خلافة المستنصر بالله الفاطمي، والثاني: حريق مصر في وزارة شاور بن مجير السعديّ.
فأما الشدّة العظمى: فإنّ سببها أنّ السعر ارتفع بمصر في سنة ست وأربعين وأربعمائة، وتبع الغلاء، وباء، فبعث الخليفة المستنصر بالله أبو تميم معدّ بن الظاهر لإعزاز دين اللّه أبي الحسن عليّ إلى متملك الروم بقسطنطينية أن يحمل الغلال إلى مصر، فأطلق أربعمائة ألف أردب، وعزم على حملها إلى مصر، فأدركه أجله ومات قبل ذلك، فقام في الملك بعده امرأة، وكتبت إلى المستنصر تسأله أن يكون عونا لها، ويمدّها بعساكر مصر إذا ثار عليها أحد، فأبى أن يسعفها في طلبتها، فجردت لذلك، وعاقت الغلال عن المسير إلى مصر، فخنق المستنصر، وجهز العساكر، وعليها مكين الدولة الحسن بن ملهم، وسارت إلى اللاذقية، فحاربتها بسبب نقض الهدنة وإمساك الغلال عن الوصول إلى مصر، وأمدّها بالعساكر الكثيرة، ونودي في بلاد الشام بالغزو، فنزل ابن ملهم قريبا من فامية (١)، وضايق أهلها، وجال في أعمال أنطاكية، فسبى ونهب، فأخرج صاحب قسطنطينية ثمانين قطعة في البحر، فحاربها ابن ملهم عدّة مرار، وكانت عليه، وأسر هو وجماعة كثيرة في شهر ربيع
(١) فامية: مدينة كبيرة وكورة من سواحل حمص وقد يقال لها أفامية قيل: إنها ثاني مدينة على الأرض بنيت بعد الطوفان. معجم البلدان ج ٢٣٣/ ٤.