رابعها يطلع الفجر بالخراتان، وفي مسرى يغلق الفلاحون خراج أراضي زراعاتهم، وكانوا يؤخرون البقايا على دق الكتان في مسرى وأبيب، لأنّ الكتان يبلّ في توت، ويدق في بابه.
[ذكر تحويل السنة الخراجية القبطية إلى السنة الهلالية العربية]
وكيف عمل ذلك في الإسلام؟ قد تقدّم فيما سلف من هذا الكتاب التعريف بالسنة الشمسية، والسنة القمرية، وما للأمم في كبس السنين من الآراء، فما جاء اللّه تعالى بالإسلام تحرّز المسلمون من كبس السنين خشية الوقوع في النسيء الذي قال اللّه ﷾ فيه: ﴿إِنَّمَا اَلنَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي اَلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [التوبة/ ٣٧]، ثم لما رأوا تداخل السنين القمرية في السنين الشمسية، أسقطوا عند رأس كل اثنتين وثلاثين سنة قمرية، وسموا ذلك الازدلاق لأنّ لكل ثلاث وثلاثين سنة قمرية، اثنتين وثلاثين سنة شمسية بالتقريب، وسأتلوا عليك من نبأ ذلك ما لم أره مجموعا.
قال أبو الحسين عبد اللّه بن أحمد بن أبي طاهر في كتاب أخبار أمير المؤمنين المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن أبي أحمد طلحة الموفق ابن المتوكل، ومنه نقلت، وخرج أمر المعتضد في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين، ومائتين بتصيير النوروز لإحدى عشرة ليلة خلت من حزيران رأفة بالرعية، وإيثارا لإرقاقها، وقالوا: خرج التوقيع في المحرّم سنة اثنتين وثمانين ومائتين بإنشاء الكتب إلى جميع العمال في النواحي والأمصار بترك افتتاح الخراج في النوروز الفارسيّ الذي يقع يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر، وأن يجعل ما يفتتح من خراج سنة اثنتين وثمانين ومائتين يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة تخلو من شهر ربيع الآخر من هذه السنة، وهو اليوم الحادي عشر من حزيران، ويسمى هذا النوروز المعتضديّ ترفيها لأهل الخراج ونظرا لهم.
ونسخة التوقيع الخارج في تصيير افتتاح الخراج في حزيران: أمّا بعد: فإنّ اللّه لما حوّل أمير المؤمنين للمحل الذي أحله به من أمور عباده وبلاده، رأى أن من حق اللّه عليه أن لا يكلفها إلا ما به بالعدل والإنصاف لها، والسيرة القاصدة، وأن يتولى لها إصلاح أمورها، ويستقرئ السير والمعاملات التي كانت تعامل بها، ويقرّ منها ما أوجب الحق إقراره، ويزيل ما أوجب إزالته غير مستكثر لها كثير ما يسقطه العدل، ولا مستقل لها قليل ما يلزمه إياها الجور، وقد وفق اللّه أمير المؤمنين لما يرجو أن يكون لحق اللّه فيها قاضيا ولنصيبها من العدل موازيا، وبالله يستعين أمير المؤمنين على حفظ ما استرعاه منها، وحياطة ما قلده من أمورها، وهو خير موفق ومعين، وإن أبا القاسم عبيد اللّه رفع إلى أمير المؤمنين، فيما أمر أمير المؤمنين من ردّ النوروز الذي يفتتح به الخراج بالعراق والمشرق، وما يتصل بهما، ويجري مجراهما من الوقت الذي صار فيه من الزمان إلى الوقت الذي كان عليه متقدّما مع