هذا بازدارا، ثم ترقّى حتى صار مقدّم الدولة، في شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، ثم ترك زيّ المقدّمين وتزيّا بزيّ الأمراء، وحاز نعمة جليلة وسعادة طائلة حتى مات يوم السبت رابع عشر صفر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
[ذكر دار الإمارة]
وكان بجوار الجامع الطولونيّ دار أنشأها الأمير أحمد بن طولون عندما بني الجامع، وجعلها في الجهة القبلية، ولها باب من جدار الجامع يخرج منه إلى المقصورة بجوار المحراب والمنبر، وجعل في هذه الدار جميع ما يحتاج إليه من الفرش والستور والآلات، فكان ينزل بها إذا راح إلى صلاة الجمعة، فإنها كانت تجاه القصر والميدان، فيجلس فيها ويجدّد وضوءه ويغير ثيابه، وكان يقال لها دار الإمارة، وموضعها الآن سوق الجامع حيث البزازين وغيرهم، ولم تزل هذه الدار باقية إلى أن قدم الإمام المعز لدين اللّه أبو تميم معدّ من بلاد المغرب، فكان يستخرج فيها أموال الخراج. قال الفقيه الحسن بن إبراهيم بن زولاق في كتاب سيرة المعز: ولست عشرة بقيت من المحرّم، يعني من سنة ثلاث وستين وثلاثمائة قلّد المعز لدين اللّه الخراج وجميع وجوه الأعمال والحسبة والسواحل والأعشار والجوالي والأحباس والمواريث والشرطيين، وجميع ما ينضاف إلى ذلك، وما يطرأ في مصر وسائر الأعمال، أبا الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس، وعسلوج بن الحسن، وكتب لهما سجلا بذلك قريء يوم الجمعة على منبر جامع أحمد بن طولون، وجلسا غد هذا اليوم في دار الإمارة في جامع أحمد بن طولون للنداء على الضياع وسائر وجوه الأعمال، ثم خربت هذه الدار فيما خرب من القطائع والعسكر، وصار موضعها ساحة إلى أن حكرها الدويداريّ عند تجديد عمارة الجامع كما تقدّم، وقد ذكر بناء القيسارية في موضعه من هذا الكتاب عند ذكر الأسواق.
[ذكر الأذان بمصر وما كان فيه من الاختلاف]
اعلم أن أوّل من أذن لرسول اللّه ﷺ بلال بن رباح، مولى أبي بكر الصدّيق ﵄، بالمدينة الشريفة وفي الأسفار، وكان ابن أمّ مكتوم واسمه عمرو بن قيس بن شريح من بني عامر بن لؤيّ، وقيل اسمه عبد اللّه، وأمّه أمّ مكتوم، واسمها عاتكة بنت عبد اللّه بن عنكثة من بني مخزوم، ربما أذن بالمدينة، وأذن أبو محذورة، واسمه أوس، وقيل سمرة بن معير بن لوذان بن ربيعة بن معير بن عريج بن سعد بن جمح، وكان استأذن رسول اللّه ﷺ في أن يؤذن مع بلال، فأذن له وكان يؤذن في المسجد الحرام، وأقام بمكة ومات بها ولم يأت المدينة.
قال ابن الكلبيّ: كان أبو محذورة لا يؤذن للنبيّ ﷺ بمكة إلاّ في الفجر، ولم يهاجر وأقام بمكة.