وقال ابن جريج: علّم النبيّ ﷺ أبا محذورة الأذان بالجعرانة حين قسم غنائم حنين، ثم جعله مؤذنا في المسجد الحرام.
وقال الشعبيّ: أذن لرسول اللّه ﷺ بلال وأبو محذورة وابن أمّ مكتوم، وقد جاء أن عثمان بن عفان ﵁ كان يؤذن بين يدي رسول اللّه ﷺ عند المنبر، وقال محمد بن سعد عن الشعبيّ: كان لرسول اللّه ﷺ ثلاثة مؤذنين، بلال وأبو محذورة وعمرو بن أمّ مكتوم، فإذا غاب بلال أذن أبو محذورة، وإذا غاب أبو محذورة أذن ابن أمّ مكتوم.
قلت: لعلّ هذا كان بمكة. وذكر ابن سعد أنّ بلالا أذن بعد رسول اللّه ﷺ لأبي بكر ﵁، وأن عمر ﵁ أراده أن يؤذن له فأبى عليه فقال له: إلى من ترى أن أجعل النداء؟ فقال: إلى سعد القرظ فإنه قد أذن لرسول اللّه ﷺ، فدعاه عمر ﵁ فجعل النداء إليه وإلى عقبه من بعده، وقد ذكر أن سعد القرظ كان يؤذن لرسول اللّه ﷺ بقباء.
وذكر أبو داود في «مراسيله» والدارقطنيّ في «سننه»، قال بكير بن عبد اللّه الأشج:
كانت مساجد المدينة تسعة سوى مسجد رسول اللّه ﷺ، كلهم يصلون بأذان بلال ﵁. وقد كان عند فتح مصر الأذان إنما هو بالمسجد الجامع المعروف بجامع عمرو، وبه صلاة الناس بأسرهم، وكان من هدى الصحابة والتابعين ﵃ المحافظة على الجماعة وتشديد النكير على من تخلف عن صلاة الجماعة. قال أبو عمرو الكندي في ذكر من عرّف على المؤذنين بجامع عمرو بن العاص بفسطاط مصر، وكان أوّل من عرّف على المؤذنين أبو مسلم سالم بن عامر بن عبد المراديّ، وهو من أصحاب رسول اللّه ﷺ، وقد أذن لعمر بن الخطاب، سار إلى مصر مع عمرو بن العاص يؤذن له حتى افتتحت مصر، فأقام على الأذان وضمّ إليه عمرو بن العاص تسعة رجال يؤذنون هو عاشرهم، وكان الأذان في ولده حتى انقرضوا.
قال أبو الخير: حدّثني أبو مسلم وكان مؤذنا لعمرو بن العاص، أن الأذان كان أوّله لا إله إلا اللّه، وآخره لا إله إلاّ اللّه، وكان أبو مسلم يوصي بذلك حتى مات ويقول: هكذا كان الأذان. ثم عرّف عليهم أخوه شرحبيل بن عامر وكانت له صحبة، وفي عرافته زاد مسلمة بن مخلد في المسجد الجامع وجعل له المنار، ولم يكن قبل ذلك، وكان شرحبيل أوّل من رقي منارة مصر للأذان، وأن مسلمة بن مخلد اعتكف في منارة الجامع، فسمع أصوات النواقيس عالية بالفسطاط فدعا شرحبيل بن عامر، فأخبره بما ساءه من ذلك. فقال شرحبيل: فإني أمدّد بالأذان من نصف الليل إلى قرب الفجر، فإنههم أيها الأمير أن ينقسوا إذا أذنت، فنهاهم مسلمة عن ضرب النواقيس وقت الأذان، ومدّد شرحبيل ومطط أكثر الليل إلى أن مات شرحبيل سنة خمس وستين.