وهذا هو الوجه في نسبة رسم المصحف إلى عثمان؛ لأنّه وقع بأمره وإشرافه، ثمّ أجمع عليه المسلمون، فصاروا لا ينسخون مصحفا إلّا على رسمه، ومذهب جمهور العلماء من السّلف والخلف: وجوب المحافظة على ذلك الرّسم في كتابة أو طبع المصاحف، ولا يحلّ تغييره بتغيّر طرق الإملاء والهجاء، وذلك صيانة للقرآن من تصرّفات النّسّاخ والطّابعين.
قال أشهب بن عبد العزيز: سئل مالك، فقيل له: أرأيت من استكتب مصحفا اليوم، أترى أن يكتب على ما أحدث النّاس من الهجاء اليوم؟ فقال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى (٢).
قال الإمام أبو عمرو الدّانيّ:«ولا مخالف له في ذلك من علماء الأمّة»(٣).
ويزيد قول مالك المذكور بيانا ما نقله عنه أشهب كذلك، قال:
سئل
(١) طرف من حديث جمع القرآن، وهو حديث صحيح. أخرجه البخاريّ (رقم: ٣٣١٥، ٤٦٩٩، ٤٧٠٢) من حديث أنس بن مالك. في بعض روايات هذا الحديث كلام للزّهريّ لم يذكر ممّن سمعه، ولهذا لم أحتجّ به، ففي رواية التّرمذيّ (رقم: ٣١٠٣) قال الزّهريّ: فاختلفوا يومئذ في التَّابُوتُ [البقرة: ٢٤٨، طه: ٣٩] و (التّابوة)، فقال القرشيّون: (التّابوت)، وقال زيد: (التّابوة)، فرفع اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه (التّابوت)، فإنّه نزل بلسان قريش. (٢) أخرجه الدّاني في «المقنع» (ص: ٩ - ١٠) و «المحكم في نقط المصاحف» (ص: ١١) بإسناد يحتمل مثله عن أشهب. (٣) المقنع (ص: ١٠).