وأما قوله تعالى:{وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}(١) فهو محتمل، لأن العلماء اختلفوا في العاكفين هل هم المعتكفون أم أهل مكة أم الجالسون فيه من غير طواف ولا صلاة (٢) ، وهذه المعاني متقاربة ومحتملة لأن لفظ الاعتكاف يحتملها في اللغة.
فتبقى تلك الآية هي المتفق على أن المراد بالاعتكاف المذكور فيها هو الاعتكاف الشرعي.
مناسبة الآية لما قبلها:
لما أباح الله لعباده الرفث إلى النساء ومباشرتهن ليالي الصيام فقال تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}(٣) حصص من هذا العموم المعتكفين في المساجد بأنهم ممنوعون من هذه الرخصة فقال تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}(٤) ثم بيّن أن هذه الأحكام
(١) البقرة ١٢٥. (٢) انظر تفسير الطبري ٢/٤٢-٤٣ وابن أبي حاتم ١/٣٧٥-٣٧٦ والقرطبي ٢/١١٤ وأخرج الطبري ٢/٤٣ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((العاكفون المصلون)) ولكنه من طريق حجاج بن أرطاه عن ابن جريج، وحجاج صدوق كثير الخطأ والتدليس كما قال عنه الحافظ في التقريب ص ١٥٢ وقد عنعن في هذه الرواية وقال عن ابن جريج: ((ثقة فقيه فاضل وكان يدلس ويرسل)) انظر التقريب ص ٣٦٣ وعلى هذا فالأثر ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما. (٣) البقرة ١٨٧. (٤) البقرة ١٨٧.