والوجه الثاني: وقوعه مرة واحدة كقوله: غدّيت فلانا، وعشيته، وكلمته.
ومعنى وحدته: جعلته١ منفردا عما يشاركه أو يشبهه في ذاته وصفاته، والتشديد فيه للمبالغة، أي: بالغت في وصفه بذلك.
وقيل: الواو فيه مبدلة من الهمزة، والعرب تبدل الهمزة من الواو، وتبدل الواو من الهمزة، كقولهم: وشاح وأشاح، وتقول العرب: أحِّدْهن لي وآحِدْهن لي، أي: اجعلهن لي أحد عشر، ويقال: جاءوا أُحَادَ أُحَادَ أي: واحد واحدا، فعلى هذا: الواو في "التوحيد" أصلها الهمزة. قال الهذلي:
ليث الصريمة أُحْدَان الرجال له ... صيد، ومجتزئ بالليل هجّاس
وتقول العرب: واحد، وأحد، ووحد، ووحيد، أي: منفرد، فالله تعالى واحد، أي: منفرد عن الأنداد والأشكال في جميع الأحوال.
فقولهم: وحّدت الله, من باب عظمت الله، وكبرته، أي: علمته عظيما وكبيرا. فكذلك وحدته أي: علمته واحدا، منزها عن المثل في الذات والصفات.
قال بعض العلماء: التوحيد: نفي التشبيه عن الله الواحد، وقيل: التوحيد نفي التشبيه عن ذات الموحد وصفاته، وقيل: التوحيد العلم بالموحِّد واحدا لا نظير له، فإذا ثبت هذا, فكل من لم يعرف الله هكذا فإنه غير موحد له"٢.
١ قال السفاريني في "لوامع الأنوار البهية" ١/ ٥٧: "فمعنى وحّدت الله: نسبت إليه الوحدانية، لا جعلته واحدا، فإن وحدانية الله تعالى ذاتيه ليست بجعل جاعل". ٢ "الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة": ١/ ٣٠٥، ٣٠٦.