والبدر مثل الِإنسان في أحواله، به شبهه المتطببون والمحسنون لوجهه، المحملون والمرفعون لمكانه والمعظمون، وتأخذ المعاني هكذا إلى آخرها على قدر الحفظ وسعة الباع في التركيب، وبحسب ذلك نقول:
إن قَدَّرْتَ أن الماء الذي به كان في الدنيا ما كان، لا يستنزل بالحيلة، كذلك الدنيا لا تستنزل إلاَّ بالقسمة، قال الله تعالى:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الزخرف: ٣٢](٢).
وأبدع من ذلك:
إن المطر وإن كان لاَ يَتَأتَّى إلا بالتقدير، فقد يستسقى على الرزق وإن كان بالقسمة، فإنه يتعرض فيه للكسب، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أنَكُمْ تَوَكلْتُم عَلَى الله حَق تَوَكُلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطيْر تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً"(٣).
(١) هذا البيت أورده القشيري في الإشارات ٢/ ٩٨ بالألفاظ التالية: فَقَدْنَاهُ لَما واخْتَمَ بِالعُلَى ... كَذَاكَ كُسُوفُ البَدْرِ عنْدَ تَمَامِهِ (٢) الاستدلال بالآية من إضافة ابن العربي على نصوص، القشيري في الإِشارات: ٢/ ٨٩. (٣) أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجه في الزهد رقم: ٤٢١٦ (ط: الأعظمي) وكذلك الترمذي -مع اختلاف في الألفاظ- في الزهد رقم: ٢٣٤٥، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى خماصاً أي جياعاً جمع خميص، وبطاناً أي ممتلئة الأجواف جمع بطين.