فإذا عُلِمَ هذا -وهو معلوم عند كل مؤمن- عُلِمَ أنه لو كان الْخَضِرُ حيًّا؛ لكان من جملة أُمَّةِ محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وممن يَقْتَدِي بشرعه، لا يسعه إلا ذلك، هذا عيسى ابن مريم -عليه السلام- إذا نزل في آخر الزمان، يحكم بهذه الشريعة المُطهَّرَةِ، لا يخرجُ منها، ولا يَحِيدُ عنها، وهو أحد أولي العزم الخمسة المرسلين، وخاتَم أنبياء بني إسرائيل، ومعلومٌ أن الْخَضِرَ لم يُنقل -بسند صحيحٍ، ولا حسنٍ تسكنُ النفسُ إليه- أنه اجتمع برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في يومٍ واحد، ولم يَشْهَدْ معه قتالًا، في مشهدٍ من المشاهد، وهذا يومُ بدر، يقول الصادق المصدوق فيما دعا به لربه -عز وجل- واستنصره، واستفتحه على من كفره:"اللَّهُمَّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ لَا تُعْبَدْ بَعْدَها فيِ الأرْضِ"(١)، وتلك العصابةُ كان تحتها سادةُ المسلمين يومئذٍ، وسادةُ الملائكة، حتى جبريلُ -عليه السلام- كما قال حسَّانُ بن ثابت -رضي اللَّه عنه- في قصيدة له، في بيت يُقَال: إنَّه أفخرُ بيتٍ قالته العرب:
فلو كان الْخَضِرُ حيًّا لكان وقوفُه تحت هذه الراية أشرفَ مقاماته، وأعظمَ غزواته.
قال القاضي أبو يعلى محمد بن الْحُسَين بن الفرَّاء الحنبلي: سُئِل بعض أصحابنا عن الْخَضِر هل مات؟ فقال: نعم، قال: وبلغني مثلُ هذا عن أبي طاهرٍ ابن الغُبارِي، قال: وكان يَحْتَجُّ بأنه لو كان حيًّا، لجاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نقله ابن الجوزي في "العُجالة"، فإن قيل: فهلَّا يُقال: إنه كان حاضرًا في هذه المواطن كلِّها، ولكن لم يكن أحدٌ يراه (٢)؟
(١) رواه مسلم (١٧٦٣)، والترمذي (٣٠٨١)، والإمام أحمد (٢/ ٣٠، ٣٢). (٢) دعوى أنه محجوب عن أعين الناس؛ كالملائكة، والجن لا دليل عليها، وهي خلاف الأصل؛ لأن الأصل في بني آدم أن يرى بعضُهم بعضًا.