قال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية -رحمه الله - تعالى-:
(المَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ (١): مرتبة التحديث، وهذه دون مرتبة الوحي الخاص، وتكون دون مرتبة الصدِّيقين؛ كما كانت لعمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-؛ كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّهُ كَانَ في الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحدَّثُونَ، فَإنْ يَكُنْ في هَذِهِ الأُمَّةِ فعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ".
التَحْدِيثُ أخَصُّ مِنَ الإلْهَامِ: فإن الإلهام عامٌّ للمؤمنين بحسب إيمانهم؛ فكل مؤمن فقد ألهمه اللَّه رشده الذي حصل له به الإيمان؛ فأما التحديث: فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيه:"إنْ يَكُنْ في هَذِهِ الأُمَّةِ أحد فعُمَرُ"؛ يعني من المُحَدَّثِينَ، فالتحديث إلهام خاص، وهو الوحي إلى غير الأنبياء: إما من المكلفين؛ كقوله -تَعَالَى-: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}[القصص: ٧]، وقوله:{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي}(٢)[المائدة: ١١١]، وإما من غير المكلفين، كقوله -تَعَالَى-: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}[النحل: ٦٨]. فهذا كله وحي إلهام) (٣).
الصِّدِّيقُ أكمَلُ مِنَ المُحَدَّثِ
قال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية -رحمه الله-: "والمحدَّث هو الذي يحدَّثُ في سره وقلبه بالشيء فيكون كما يُحَدَّثُ به.
قال شيخنا: والصِّدِّيقُ أكمل من المحدَّث؛ لأنه استغنى بكمال صِدِّيقِيَّتِه
(١) أي من مراتب الهداية للإنسان. (٢) قال الأزهري: "الوحي هنا بمعنى الإلهام" اهـ. نقله ابن منظور في "لسان العرب" (٢/ ٥٥٥). (٣) "مدارج السالكين" (١/ ٤٤، ٤٥).