وهذه الأحاديث تدل على أهمية سجود التلاوة ومشروعيته المؤكدة وعناية النبي - صلى الله عليه وسلم - به، ولكن دلت الأدلة الأخرى على عدم الوجوب، فقد ثبت أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة، قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال:((يا أيها الناس إنما نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه)) ولم يسجد عمر - رضي الله عنه -، وفي لفظ:((إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء)) (٢).
ومن أوضح الأدلة على أن سجود التلاوة سنة مؤكدة وليس بواجب حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال:((قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم -
{وَالنَّجْمِ} فلم يسجد فيها)) (٣).
ورجّح الإمام النووي والحافظ ابن حجر، وابن قدامة - رحمهم الله - أن حديث زيد بن ثابت هذا محمول على بيان جواز عدم السجود، وأنه سنة مؤكدة وليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لأمره بالسجود ولو بعد ذلك (٤)، وقال الحافظ ابن حجر: ((وأقوى الأدلة
(١) مسلم، كتاب المساجد، باب سجود التلاوة، برقم ١٠٨ - (٥٧٨). (٢) البخاري، كتاب سجود القرآن، باب من رأى أن الله - عز وجل - لم يوجب السجود، برقم ١٠٧٧. (٣) متفق عليه: البخاري، كتاب سجود القرآن، باب من قرأ السجدة ولم يسجد، برقم ١٠٧٢، ١٠٧٣ ومسلم، كتاب المساجد، باب سجود التلاوة، برقم ٥٧٧. (٤) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ٥/ ٨١، والمغني لابن قدامة، ٢/ ٣٦٥، وفتح الباري لابن حجر، ٢/ ٥٥٥.