فدعا عثمان - رضي الله عنه - زياد بن لبيد فنهاه وشذبه، فجعل الناس هذه الحادثة من ضمن ما لاموا عثمان - رضي الله عنه - عليه.
وإنَّما لم يقتص عثمان - رضي الله عنه - من عبيد الله بالهرمزان للشبهة؛ فقد تأول عبيدُ الله واعتقد حل قتله لشبهة اشتراكه بقتل أبيه، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:«ادرؤوا الحدود ما استطعتم»(١) وهذا أمر يخضع للاجتهاد ولا يلام عليه.
على أن الطبري روى أن عثمان - رضي الله عنه - قد أمر بالقصاص من عبيد الله وأنه سلَّمه لابن الهرمزان ليقتص منه ولكنه عفا عنه (٢).
الانتقاد الثاني: ومما أنكره الناس على عثمان أنه كان يحابي أقرباءه من بني أمية ويولِّيهم المناصب، وإنما كان يفعل ذلك من باب صلة الرحم اجتهاداً منه - رضي الله عنه - (٣) والأمثلة على ذلك كثيرة:
١ - فمن ذلك توليته للوليد بن عقبة بن أبي معيط - وهو صحابي، وأخوه لأمه (٤) - الكوفةَ بدل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وهو أحد أهل الشورى ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، وقد كان عثمان - رضي الله عنه - ولى سعداً الكوفة تنفيذاً لوصية عمر - رضي الله عنه -، أن يستعين به الخليفة الذي سينُتخب بعده عندما قال:«فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة»(٥)، فلما اشتكى أهل الكوفة سعدَ بن أبي وقاص إلى عثمان حتى قالوا:
(١) رواه الترمذي في سننه: ٤/ ٣٣ كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحدود رقم (١٤٢٤) عن عائشة. (٢) ذكر الطبري في تاريخه: ٢/ ٥٩٠. وجاء مثله في المحلى لابن حزم: ١١/ ١١٥. وفي التمهيد والبيان للمالقي: ص ٤١ أن عثمان إنما دفع الدية بعد أن عفا القماذبان بن الهرمزان عن عبيد الله بعد أن أمكنه عثمان من القصاص منه، فإن صحت الرواية فلا يصح القول أن عثمان - رضي الله عنه - قد عطل الحد، والله أعلم. (٣) تاريخ اليعقوبي: ٢/ ١٧٣ - ١٧٤. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: مج ٣/ ١١٤. العواصم من القواصم لابن العربي: ص ٧٦ - ٧٧. (٤) فتح الباري لابن حجر: ٧/ ٥٥. شذرات الذهب لابن العماد: ١/ ٣٥. (٥) كان عزل عمر - رضي الله عنه - لسعد - رضي الله عنه - سنة ٢٠ أو ٢١ هـ كما في فتح الباري لابن حجر: ٢/ ٢٣٧. وكان عزل عثمان - رضي الله عنه - لسعد - رضي الله عنه - سنة ٢٥ هـ؛ وسببه أن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - استقرض من عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - من بيت المال مالاً فأقرضه، فلما تقاضاه لم يتيسر عليه فارتفع بينهما الكلام، فغضب عليهما عثمان - رضي الله عنه - وانتزع الإمارة من سعد وعزله، واستعمل الوليدَ بنَ عقبة وكان عاملاً لعمر - رضي الله عنه - على ربيعة بالجزيرة، فقدم الكوفة وكان أحب الناس إلى الناس وأرفقهم بهم فكان كذلك خمس سنين. انظر: فتح الباري لابن حجر: ٧/ ٥٥ - ٥٦. وتاريخ الطبري: ٢/ ٥٩٥. والتمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان للمالقي: ص ٥٠. وشذرات الذهب لابن العماد: ١/ ٣٥. والأثر رواه البخاري في صحيحه: ٣/ ١٣٥٣ وما بعدها كتاب المناقب، باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان رقم (٣٤٩٧) عن عمرو بن ميمون. وذكره ابن عساكر في تاريخه: ٢٠/ ٢٨٧. والمالقي في التمهيد والبيان: ص ٢٥. والسيوطي في تاريخ الخلفاء: ص ١٣٥.