والأصح الذي ذكره خالفه في "شرح المنهاج" فقال: إنه ظهر له المؤاخذة من إطلاق قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "أو تعمل" ولم يقل: أو تعمله، قال: فيؤخذ منه تحريم المشي إلى معصيةٍ وإن كان المشي في نفسه مباحًا؛ لانضمام قصد الحرام إليه وإن كان كلٌّ من المشي والقصد لا يحرم عند انفراده؛ لأنهما إذا اجتمعا. . كان مع الهم عملًا لما هو من أسباب المهموم به، فاقتضى إطلاق:"أو تعمل" المؤاخذة به.
وتبعه ولده؛ فإنه قال في "منع الموانع": هنا دقيقةٌ نبهنا عليها في "جمع الجوامع" وهي أن عدم المؤاخذة بحديث النفس والهم ليس مطلقًا، بل بشرط عدم التكلم والعمل، حتى إذا عمل. . يؤاخذ بشيئين: همه وعمله، ولا يكون همه مغفورًا وحديث نفسه إلا إذا لم يعقبه العمل؛ كما هو ظاهر الحديث.
ثم حكى كلامَيْ أبيه السابقين (١)، ورجح المؤاخذة، وخالفه غيره فرجح عدمها، قال: وإلَّا. . لزم أن يعاقب على المعصية عقوبتين، وفيه نظر، ولا يلزم عليه ذلك؛ لأن الهم حينئذٍ صار معصيةً أخرى.
ثم قال في "الحلبيات": (وأما العزم. . فالمحققون على أنه يؤاخذ به، وخالف بعضهم -أي: ونسب إلى الشافعي وابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهم- وقال: إنه من الهم المرفوع تمسكًا بقول اللغويين: همَّ بالشيء عزم عليه).
وهو تمسكٌ غير سديد؛ لأن اللغوي لا يتنزل إلى هذه الدقائق، واحتج الأولون بحديث (٢): "إذا التقى المسلمان بسيفيهما. . فالقاتل والمقتول في النار" قيل: يا رسول اللَّه؛ هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال:"إنه كان حريصًا على قتل صاحبه"(٣) فعلَّل بالحرص.
وبالإجماع على المؤاخذة بأعمال القلوب (٤)؛ كالحسد، والكبر، والعجب،
(١) أي: الذي في "شرح المنهاج"، والذي في "الحلبيات" اهـ هامش (غ) (٢) أي: المحققون القائلون بأن العزم يؤاخذ به. (٣) أخرجه البخاري (٣١)، ومسلم (٢٨٨٨) عن سيدنا أبي بكرة رضي اللَّه عنه. (٤) قوله: (وبالإجماع) عطف على قوله: (واحتج الأولون بحديث)، ومثله قوله. (وبقوله تعالى: {وَمَن يُرِدْ} الآيةَ) اهـ هامش (غ)