وأما ما روي عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال:"في صحف إبراهيم: من عَدَّ كلامه من عمله قَلَّ كلامه إلا فيما يعنيه"(١). . فهو على تقدير صحته خاصٌّ بذم ما لا يعني من الكلام، وما مر عامٌّ كما قررناه في شرحه، مع أن لفظه أبلغ وأوجز.
وروي:(أن رجلًا وقف على لقمان الحكيم وهو في حلقةٍ عظيمةٍ، فقال له: ألست عبد بني فلان؟ قال: بلى، قال: فما الذي بلغ بك إلى ما أرى؟! قال: قدر اللَّه، وصدق الحديث، وتركي ما لا يعنيني)(٢).
وفي " الموطأ": (بلغني أنه قيل له: ما بلغ بك ما نرى؟ يريدون الفضل، قال: صدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني)(٣).
وعن الحسن:(من علامة إعراض اللَّه تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه)(٤).
ونقل ابن الصلاح عن ابن أبي زيد أنه قال:(جماع آداب الخير وأزِمَّتُهُ تتفرع من أربعة أحاديث: هذا، والذي بعده (٥)، وخبر:"من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر. . فليقل خيرًا، أو ليصمت"، وخبر:"لا تغضب") (٦).
وفي "المسند": "من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه"(٧).
وفي "صحيح ابن حبان" مرفوعًا: "في صحف إبراهيم: وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن يكون له ساعات: ساعةٌ يناجي فيها ربه، وساعةٌ يحاسب فيها نفسه، وساعةٌ يتفكر فيها في صنع اللَّه تعالى، وساعةٌ يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب، وعلى العاقل ألَّا يكون ساعيًا إلا لثلاثٍ: تزوُّدٍ لمعادٍ، أو مَرَمَّةٍ
(١) أخرجه ابن حبان (٣٦١) عن سيدنا أبي ذر رضي اللَّه عنه. (٢) أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" (٩/ ١٩٩)، وهو عند ابن أبي الدنيا في "الصمت" (١١٦) بنحوه. (٣) الموطأ (٢/ ٩٩٠). (٤) ذكره الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" (٩/ ٢٠٠). (٥) أي: قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". (٦) انظر "صيانة صحيح مسلم" (ص ٢٠٣). (٧) مسند الإمام أحمد (١/ ٢٠١) عن سيدنا الحسين رضي اللَّه عنه.