تَكُنْ إرَادَتُهُ لَهَا جَازِمَةً، فَتِلْكَ مِمَّا لَمْ يَكْتُبْهَا اللهُ عَلَيْهِ كَمَا شَهِدَ بِهِ قَوْلُهُ: "مَن هَمَّ بِسَيئةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا".
وَمَن حَكَى الْإِجْمَاعَ كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ صَحِيحٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
وَهَذَا الْهَامُّ بِالسَّيِّئَةِ: فَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَهَا لِخَشْيَةِ اللهِ وَخَوْفِهِ أَو يَتْرُكَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ:
فَإِنْ تَرَكَهَا لِخَشْيَةِ اللهِ كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةٌ كَامِلَةً.
وَأَمَّا إنْ تَرَكَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً.
وَبِهَذَا تَتَّفِقُ مَعَانِي الْأَحَادِيثِ.
وَإِن عَمِلَهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ إلا سَيِّئَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُضَعِّفُ السَّيِّئَاتِ بِغَيْرِ عَمَلِ صَاحِبِهَا وَلَا يَجْزِي الْإِنْسَانَ فِي الْآخِرَةِ إلَّا بِمَا عَمِلَتْ نَفْسُهُ.
وَأَمَّا أَئِمَّةُ الضَّلَالِ -الَّذِينَ عَلَيْهِم أَوْزَارُ مَن أَضَلُّوهُ- وَنَحْوَهُم فَقَد بَيَّنَّا أَنَّهُم إنَّمَا عُوقِبُوا لِوُجُودِ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِن الْفِعْلِ؛ بِقَولِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ "فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ" (١)، وَقَوْلُهُ: "مَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِن الوِزْرِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَن تَبِعَهُ" (٢).
فَإِذَا وُجِدَت الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ وَالتَّمَكُّنُ مِن الْفِعْلِ صَارُوا بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ التَّامِّ وَالْهَامُّ بِالسَّيِّئَةِ الَّتِي لَمْ يَعْمَلْهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ إرَادَةٌ جَازِمَةٌ، وَفَاعِلُ السَّيِّئَةِ الَّتِي تَمْضِي لَا يُجْزَى بِهَا إلَّا سَيِّئَةً وَاحِدَةً، كَمَا شَهِدَ بِهِ النَّصُّ وَبِهَذَا يَظْهَرُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد: "الْهَمُّ" هَمَّانِ: هَمُّ خَطِرَاتٍ وَهَمُّ إصْرَارٍ.
(١) رواه مسلم (٦٧٣)، وابن حبان (٢١٢٧).(٢) رواه مسلم (٢٦٧٤)، وأبو داود (٤٦٠٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute