وَمَعَ هَذَا: فَإِنَّا كُنَّا نُعَامِلُ أَهْلَ مِلَّتِكُمْ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِم وَالذَّبِّ عَنْهُمْ.
وَقَد عَرَفَ النَّصَارَى كُلُّهُم أَنِّي لَمَّا خَاطَبْت التَّتَارَ فِي إطْلَاقِ الْأَسْرَى وَأَطْلَقَهُم غازان وقطلوشاه، وَخَاطَبْت مَوْلَايَ فِيهِمْ فَسَمَحَ بِإِطْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ لِي: لَكِنَّ مَعَنَا نَصَارَى أَخَذْنَاهُم مِن الْقُدْسِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُطْلَقُونَ.
فَقُلْت لَهُ: بَل جَمِيعُ مَن مَعَك مِن الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ هُم أَهْلُ ذِمَّتِنَا؛ فَإِنَّا نفْتِكَهُم وَلَا نَدَعُ أَسِيرًا لَا مِن أَهْلِ الْمِلَّةِ وَلَا مِن أَهْلِ الذِّمَّةِ.
وَأَطْلَقْنَا مِن النَّصَارَى مَن شَاءَ اللهُ.
فَهَذَا عَمَلُنَا وَإِحْسَانُنَا وَالْجَزَاءُ عَلَى اللهِ.
وَكَذَلِكَ السَّبْيُ الَّذِي بِأَيْدِينَا مِن النَّصَارَى يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ إحْسَانَنَا وَرَحْمَتَنَا وَرَأْفَتَنَا بِهِم؛ كَمَا أَوْصَانَا خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ: "الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" (١).
قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨)} [الإنسان: ٨].
وَمَعَ خُضُوعِ التَّتَارِ لِهَذِهِ الْمِلَّةِ وَانْتِسَابِهِم إلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ، فَلَمْ نُخَادِعْهُم وَلَمْ نُنَافِقْهمْ؛ بَل بَيَّنَّا لَهُم مَا هُم عَلَيْهِ مِن الْفَسَادِ وَالْخُرُوجِ عَن الْإِسْلَامِ الْمُوجِبِ لِجِهَادِهِمْ، وَأَنَّ جُنُودَ اللهِ الْمُؤَيَّدَة، وَعَسَاكِرَهُ الْمَنْصُورَةَ الْمُسْتَقِرَّةَ بِالدَّيَارِ الشَّامِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ: مَا زَالَتْ مَنْصُورَة عَلَى مَن نَاوَأَهَا، مُظَفَّرَةً عَلَى مَن عَادَاهَا، وَفِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَمَّا شَاعَ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّ التَّتَارَ مُسْلِمُونَ أَمْسَكَ الْعَسْكَر عَن قِتَالِهِمْ، فَقتلَ مِنْهُم بِضْعَة عَشَرَ أَلْفًا، وَلَمْ يُقْتلْ مِن الْمُسْلِمِينَ مِائَتَانِ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ الْعَسْكَرُ إلَى مِصْرَ وَبَلَغَهُ مَا عَلَيْهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الْمَلْعُونَةُ مِن الْفَسَادِ وَعَدَمِ الدِّينِ: خَرَجَتْ جُنُودُ اللهِ وَلِلْأَرْضِ مِنْهَا وَئِيدٌ (٢)، قَد مَلَأَت السَّهْلَ
(١) رواه ابن ماجه (١٦٢٥)، وأحمد (١٢١٦٩).(٢) أي: صوتٌ عالٍ شديد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute