فِي الْمَشْرِقِ وَجَبَ أَنْ يُرَى فِي الْمَغْرِبِ وَلَا يَنْعَكِسُ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَخَّرُ غُرُوبُ الشَّمْسِ بِالْمَغْرِبِ عَن وَقْتِ غُرُوبِهَا بِالْمَشْرِقِ.
الْوَجْهُ الثانِي: أَنَّهُ إذَا اعْتَبَرْنَا حَدًّا كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ أَو الْأَقَالِيمَ فَكَانَ رَجُلٌ فِي آخِرِ الْمَسَافَةِ وَالْاِقْلِيمِ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ويُفْطِرَ وَيَنْسُكَ، وَآخَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ غَلْوَةُ (١) سَهْمٍ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِن ذَلِكَ! وَهَذَا لَيْسَ مِن دِينِ الْمُسْلِمِينَ.
فَالصَّوَابُ فِي هَذَا -وَاللهُ أَعْلَمُ- مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: "صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ" (٢)، فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِن شَعْبَانَ أَنَّهُ رَآه بِمَكَان مِن الْأَمْكِنَةِ قَرِيبٍ أَو بَعِيدٍ: وَجَبَ الصَّوْمُ.
وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ بِالرُّؤْيَةِ نَهَارَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ إلَى الْغُرُوبِ: فَعَلَيْهِم إمْسَاكُ مَا بَقِيَ، سَوَاءٌ كَانَ مِن إقْلِيمٍ أَو إقْلِيمَيْنِ.
وَالِاعْتِبَارُ بِبُلُوغِ الْعِلْمِ بِالرُّؤْيَةِ فِي وَقْتٍ يُفِيدُ، فَأَمَّا إذَا بَلَغَتْهُم الرُّؤْيَةُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَالْمُسْتَقْبَلَ يَجِبُ صَوْمُهُ بِكُلِّ حَالٍ.
لَكِنَّ الْيَوْمَ الْمَاضِيَ: هَل يَجِبُ قَضَاؤُهُ؟ فَإِنَّهُ قَد يَبْلُغُهُم فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ أَنَّهُ رُئِيَ بِإِقْلِيمٍ آخَرَ وَلَمْ يُرَ قَرِيبًا مِنْهُمْ؟
الْأَشْبَهُ: أَنَّهُ إنْ رُئِيَ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ -وَهُوَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَهُم خَبَر فِي الْيَوْمِ الْأوَّلِ- فَهُوَ كَمَا لَو رُئِيَ فِي بَلَدِهِمْ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ.
وَأَمَّا إذَا رُئيَ بِمَكَانٍ لَا يُمْكِنُ وُصُولُ خَبَرِهِ إلَيْهِم إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْأوَّلِ: فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ صَوْمَ النَّاسِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَصُومُونَهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَصُومُوا إلَّا الْيَوْمَ الَّذِي يُمْكِنُهُم فِيهِ رُؤيَةُ الْهِلَالِ، وَهَذَا لَمْ يَكُن يُمْكِنُهُم فِيهِ بُلُوغُهُ فَلَمْ يَكُن يَوْمَ صَوْمِهِمْ، وَكَذَلِكَ فِي الْفِطْرِ وَالنُّسُكِ.
(١) الغَلْوَة: قَدْرُ رَمْيَة بِسَهْمٍ.(٢) رواه أبو داود (٢٣٢٤)، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (٢٣٢٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute