فوصية الله شاملة لكل ما ذكره الآية في قسمة المواريث.
وقيل هي خاصة بميراث أبناء الأم، فقوله:{وَصِيَّةً} منصوب (١) من قوله: {وَإِنْ كَانَ … رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}[النساء: من الآية ١٢]. (٢)
والأول أظهر والله أعلم.
قال الطبري: وأما قوله: {وَصِيَّةً} فإن نصبه من قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}[النساء: من الآية ١١] وسائر ما أوصى به في الاثنين والذي قلناه بالصواب أولى؛ لأن الله جل ثناؤه افتتح ذكر قسمة المواريث في هاتين الآيتين بقوله:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ}، ثم ختم ذلك بقوله:{وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ}.
أخبر أن جميع ذلك وصيةٌ منه به عبادَه. فنَصْبُ قوله:{وَصِيَّةً} على المصدر من قوله: {يُوصِيكُمُ} أولى من نصبه على التفسير من قوله: {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} لما ذكرنا (٣).
(١) في نصب {وَصِيَّةً} أربعة أوجه: أحدها: أنه مصدر مؤكد، أي: يوصيكم اللَّهُ بذلك وصية. الثاني: أنها مصدر في موضع الحال، والعامل فيها {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: من الآية ١١]. والثَّالِثُ: أنها منصوبة على الخروج- قال الآلوسي: المراد أنه خارج عن طرفي الإسناد فهو كقولهم: فضلة فلينظر- إما من قوله: {وَإِنْ كَانَ … رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: من الآية ١٢]، أو من قوله: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: من الآية ١٢]. والرَّابعُ: أنَّها منصوبةٌ باسم الفاعل وهو {مُضَارٍّ}، والمُضَارَّة لا تقع بالوصيَّةِ بل بالورثة، لكنَّه لَمَّا وّصَّى اللَّهُ بالورَثَة جَعَلَ المُضَارَّة الواقعة بهم كأنها واقعة بنفس الوصيّة مُبَالَغةً في ذلك، وَيُؤيَّدُ هذا التخريج القراءة الشاذة: غير مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ. انظر: الدر المصون ج ٣/ ص ٦١٢، وروح المعاني ج ٤/ ص ٢٣٢. (٢) انظر: معاني القرآن للفراء ج ١/ ص ٢٥٨، وزهرة التفاسير ج ٣/ ص ١٦٠٧. (٣) انظر: جامع البيان ج ٦/ ص ٤٨٧، ٤٨٨.