وأما الرجل الثاني: فمخطىء في كل ما قاله، وعليه التعزير في قوله، ولا يجوز الكلام في هذا، ولا التفضيل؛ إِلا أن يكون جاهلًا لا يعلم قولَ الله تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}(١)، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}(٢)، وفي الحديث الصحيح المشهور: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"انا سَيّدُ ولدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ"، وأما الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تفَضِّلُوا بينَ الأنبياء"، فأجاب العلماء عنه بخمسة أجوبة مشهورة:
١ - أحدها: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى قبل أن يعلم أنه أفضلُهم، فلما علم قال:"أنَا سَيّدُ ولدِ آدَمَ".
٢ - والثاني: أنه نهى عن تفضيلٍ يؤدي إِلى الخصومة، كما ثبت في الصحيح في سبب هذا الحديث من لطم المسلم اليهودي.
٣ - والثالث: نهى عن تفضيلٍ يؤدي إِلى تنقيص بعضهم لا كل
تفضيل، ويؤيد هذا قوله تعالى:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}(٣).
٤ - والرابع: قاله تواضعًا.
٥ - والخامس: نهى عن التفضيل في نفس النبوة، لا في ذوات الأنبياء، وعموم رسالاتهم، وزيادة خصائصهم (٤)"والله أعلم".
* * *
(١) سورة البقرة: الآية ٢٥٣. (٢) سورة الإسراء: الآية ٥٥. (٣) سورة الإسراء: الآية ٥٥. (٤) أجمعت الأمة على أن بعض الأنبياء أفضل من بعض، وعلى أن سيدنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أفضل من الكل ويدل عليه وجوه: أحدها: قوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. سورة الأنبياء: الآية ١٠٧، فلما كان رحمةً لكل العالمين لزم أن يكون أفضلَ من كل العالمين. =