وَبَعَثَ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ إِلَى أَخِيهِ بُجَيْرٍ، فَلَمَّا أَتَتْ بُجَيْرًا كَرِهَ أَنْ يَكْتُمَهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَلَمَّا عَلِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ لَقِيَ كَعْبًا فَلْيَقْتُلْهُ".
فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَكَّةَ، وَرَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ الطَّائِفِ كتَبَ بُجَيْرٌ إِلَى أَخِيهِ كَعْبٍ بِذَلِكَ، وَذَكَرَ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَتَلَ رِجَالًا بِمَكَّةَ مِمَّنْ كَانَ يَهْجُوهُ وَيُؤْذِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ في نَفْسِكَ حَاجَةٌ فَطِرْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَإِنَّهُ لَا يَقْتُلُ أَحَدًا جَاءَهُ مُسْلِمًا، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَانْجُ بِنَفْسِكَ، وَمَا أَرَاكَ تُفْلِتُ، ثُمَّ كتَبَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَبْيَاتًا مِنْهَا:
مَنْ مُبَلِّغٌ كَعْبًا فَهَلْ لَكَ في التِي ... تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلًا وَهِيَ أَحْزَمُ
إِلَى اللَّهِ لَا الْعُزَّى وَلَا اللَّاتِ، وَحْدَهُ ... فَتَنْجُو إِذَا كَانَ النَّجَاءُ وَتَسْلَمُ
لَدَى يَوْمٍ لَا يَنْجُو وَلَيْسَ بِمُفْلَتٍ ... مِنَ النَّاسِ إِلَّا طَاهِرُ القلْبِ مُسْلِمُ
وَقَالَ لَهُ: اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَا يَأْتِيهِ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا قَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَأَسْلِمْ، وَأَقْبِلْ.
فَلَمَّا بَلَغَ كَعْبًا الْكِتَابُ ضَاقَتْ بِهِ الْأَرْضُ، وَأَشْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَرْجَفَ (١) بِهِ مَنْ كَانَ في حَاضِرِهِ مِنْ عَدُوِّهِ، فَقَالُوا: هُوَ مَقْتُولٌ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ مِنْ شَيْءٍ بُدًّا أَسْلَمَ، وَقَالَ قَصِيدَتَهُ الرَّائِعَةَ التِي يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَالْمَعْرُوفَةُ بِاسْمِ "بَانَتْ سُعَادُ"، ذَكَرَ فِيهَا خَوْفَهُ وَإِرْجَافَ الْوُشَاةِ (٢) بِهِ مِنْ عَدُوِّهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى
(١) أَرْجَفَ القَومُ: إذا خَاضُوا في الأخبارِ السّيئةِ، وذكر الفتن. انظر لسان العرب (٥/ ١٥٣).(٢) الْوَاشِي: النَّمَّامُ. انظر لسان العرب (١٥/ ٣١٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute