{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}(١) الآية؛ لأن (٢) فِيهَا (٣) إِخباراً (٤) بأَنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَرَّم عَلَى نَفْسِهِ مَا أَحلَّه اللَّهُ (٥)؛ وَقَدْ نَزَلَ (٦) عَلَيْهِ: {لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا}(٧). وَمِثْلُ هَذَا يُجَلُّ مَقَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ فِيهِ، وأَن يكون منهيّاً عن شيء (٨) هو اعتداء (٩) ثُمَّ يأْتيه، حَتَّى يُقَالَ لَهُ فِيهِ: لِمَ تفعل؟ فلا بد من النظر في هذا (١٠) الْمُعَارِض (١١).
وَالْجَوَابُ: أَن آيَةَ التَّحْرِيمِ إِن كَانَتْ هِيَ السابقةَ عَلَى آيَةِ العُقُود، فَظَاهِرٌ أَنها مُخْتَصَّة بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذ لَوْ أُريد: الأُمّة ـ على قول من قال به (١٢) مِنَ الأُصوليين ـ لَقَالَ: لِم تُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ؟ كما قال:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}(١٣) الْآيَةَ، وَهُوَ بَيِّن؛ لأَن سُورَةَ التَّحْرِيمِ قَبْلَ آية الأَحزاب، ولذلك لَمَّا آلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا بِسَبَبِ هَذِهِ الْقِصَّةِ نَزَلَ عليه في سورة الأَحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ (١٤) تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً *} (١٥) إلى آخرها (١٦). وأَيضاً فيُحتمل أَن يكون التحريم بمعنى الحلف على أَن لا
(١) سورة التحريم: الآية (١). (٢) في (خ) و (م): "فإن". (٣) في (غ): "فيه". (٤) في (خ): "إخبار". (٥) في (غ) و (ر): "ما أُحلّ له". (٦) في (خ): "يدل". (٧) سورة المائدة: الآية (٨٧). (٨) قوله: "شيء" سقط من (م). (٩) في (خ): "وأن يكون منهياً عنه اعتداء". (١٠) في (خ): "هذه". (١١) في (خ) و (م): "المصارف" بدل "المعارض". (١٢) قوله: "به" سقط من (خ). (١٣) سورة الطلاق: الآية (١). (١٤) إلى هنا انتهت الآية في (خ) و (م). (١٥) سورة الأحزاب: الآية (٢٨). (١٦) في (خ): "إلخ" بدل "إلى آخرها". وحديث التخيير أخرجه البخاري (٤٧٨٥)، ومسلم (١٤٧٥) من حديث عائشة رضي الله عنها؛ قالت: لما أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي، فقال: "إني ذاكر لك أمراً، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك". قالت: قد علم أن أبويّ لم يكونا ليأمراني بفراقه. قالت: ثم قال: "إن الله عز وجل قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً *وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا *} =