وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي"(١): "قد اختُلِف في تفسير القُلَّتين اختلافًا شديدًا كما ترى، ففُسِّرتا بخمس قِرَب، وبأربع، وبأربعة وستين رطلًا، وباثنين وثلاثين رطلًا، وبالجرَّتين مطلقًا، وبالجرّتين بقيد الكبر، وبالخابيتين، والخابية: الحُبُّ. فظهر بهذا جهالة مقدار القُلّتين، فتعذَّر العملُ بها".
أقول: أما الاختلاف في تفسير القُلة بمقتضى اللغة، فمَنْ تأمَّلَ كلامَ أهل اللغة وموارد الاستعمال وتفسير المحدِّثين السابقين ظهر له أن القُلّة هي الجَرَّة، وإنما جاء قيد الكبر من جهتين:
الأولى: تفسير أهل الغريب لما ورد في الحديث (٢) في ذكر سدرة المنتهى: "فإذا نَبِقُها مثلُ [٢/ ١١] قِلالِ هَجَر، وإذا ورقُها مثل آذان الفِيَلة". وقِلال هَجَر مشهورة بالكبر، وتفخيمُ شأن السدرة يقتضي الكبر.
الثانية: تفسير المحتاطين لحديث القلتين. وفي "سنن البيهقي"(ج ١ ص ٢٦٤) عن مجاهد تفسيرُ القلَّتين بالجرَّتين. ونحوه عن وكيع، ويحيى بن آدم. وعن ابن إسحاق:"هذه الجِرار التي يُستقى فيها الماء والدواريق". وعن هشيم:"الجرَّتَين الكبار". وعن عاصم بن المنذر:"الخوابي العظام".
(١) (١/ ٢٦٥) بهامش "السنن الكبرى". (٢) أخرجه البخاري (٣٨٨٧) عن مالك بن صعصعة في حديث المعراج. وانظر "أعلام الحديث" للخطابي (٣/ ١٦٨٠) و"معالم السنن" (١/ ٥٧) و"النهاية" لابن الأثير (٤/ ١٠٤).