جالسا عند عثمان بن عفان، فجاء رجل فقال: ألا أخبرك يا أمير المؤمنين عجبا، بينا أنا بفلاة كذا وكذا إذا إعصاران قد أقبلا، أحدهما من هاهنا والآخر من هاهنا، فالتقيا فتعاركا ثم تفرقا، وإذا أحدهما أكبر من الآخر فجئت معتركهما، فإذا من الحيات شيء ما رأت عيناي مثله قط كثرة، وإذا ريح المسك من بعضها، وإذا حية رقيقة صفراء ميتة، فقمت فقلبت الحيات كيما أنظر من أيها هو، فإذا ذلك من حية صفراء دقيقة فظننت أن ذلك لخير فيها، فلففتها في عمامتي ودفنتها، فبينما أنا أمشي فناداني مناد ولا أراه، فقال: يا عبد الله، ما هذا الذي صنعت؟ فأخبرته بالذي رأيت ووجدت، فقال: إنك قد هديت ذانك حيان من الجن بنو الشيطان وبنو قيس، التقوا فاقتتلوا، فكان بينهم من القتلى ما قد رأيت واستشهد الذي دفنت، وكان أحد الذين سمعوا الوحي من النبي ﷺ.
ورواه أبو نعيم (١) من طريق الليث بن سعد، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون به مثله.
وقال ابن أبي الدنيا (٢) أيضا: حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا بشر بن الوليد الكندي، ثنا كثير بن عبد الله أبو هاشم الناجي، قال: دخلنا على أبي رجاء العطاردي، فسألناه: هل عندك علم من الجن ممن بايع النبي ﷺ؟ فتبسم وقال: أخبركم بالذي رأيت وبالذي سمعت كنا في سفر حتى إذا نزلنا على الماء وضربنا أخبيتنا وذهبت أقيل، فإذا أنا بحية دخلت الخباء وهي تضطرب، فعمدت إلى إداوتي فنضحت عليها من الماء فسكنت، حتى أذن مؤذن بالرحيل، فقلت لأصحابي: انتظروني أعلم حال هذه الحية إلى ما تصير، فلما صلينا العصر ماتت، فعمدت إلى عيبتي، فأخرجت منها خرقة بيضاء فلففتها وحفرت لها ودفنتها، وسرنا بقية يومنا وليلتنا، حتى إذا أصبحنا
(١) كذا قال الشبلي في «آكام المرجان» ص ٧٣: الليث بن سعد عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، والذي في النسخة المحققة من «دلائل النبوة» لأبي نعيم، عبد الله بن صالح عنه. (٢) «الهواتف» ص ٢٧