أما بعد، فقد دل الكتاب والسنة والإجماع على أن النبي ﷺ مرسل إلى الجن وأنهم مخاطبون بشريعته مكلفون بأحكامها مثابون ومعاقبون، كما نطق به القرآن ونطق بانصرافهم إلى النبي ﷺ وسماعهم القرآن منه، وجاءت السنة باجتماعهم به ﷺ وتلقيهم الأحاديث عنه.
وقد رويت من طريقهم أحاديث في القديم والحديث، منها ما رواه المتقدمون ومنها ما رواه المتأخرون من أهل القرن العاشر فما بعده إلى أواخر القرن الثالث عشر، وقد روينا كثيرا من تلك الأحاديث بأسانيدها المتصلة إليهم عن النبي ﷺ، رأينا أن نفرد لها هذا المسند لا على سبيل الاحتجاج والاعتماد، ولكن على سبيل الرواية والإخبار على طريقة أهل الحديث في نقل كل ما رووه بإسناده صحيحا كان أو باطلا، لأن من نقل الحديث بإسناده فقد بريء من عهدته، مع أن تلك الأحاديث جلها في كتب السنة إلا حديثين أو ثلاثة فإني لا أعرفها إلا من طريقهم، وقد قدمت قبل المقصود مقدمة في فوائد تتعلق بالموضوع كالتمهيد والمدخل إليه، فقلت:
مقدمة، فيها فوائد:
[الأولى: صحبة الجن للنبي ﷺ واجتماعهم به وتلقيهم عنه ثابتة بالسنة الصحيحة]
بل وظاهر قوله تعالى ﴿وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين﴾ الآية [سورة الأحقاف، الآية: ٢٩].