للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى يوم الأحد ثانى عشرينه اضطربت أحوال القاهرة، وصارت أرباب الأدراك تقف على أبواب المدينة ويمسكون الناس من رئيس ووضيع ويضعونهم فى الحبال، حتى من يلوح لهم من القضاة والشهود، وما يعلم ما يصنع بهم، فلما طلعوا بهم إلى القلعة أسفرت هذه الواقعة على أنهم جمعوا الناس حتى يسحبوا (١) المكاحل النحاس الكبار التى كانت (٢) بالقلعة، وينزلون بهم إلى شاطئ البحر، ثم يضعونهم فى المراكب ويمضون بهم إلى إسطنبول. وكان قبل ذلك بمدّة نزلوا بالعامودين السماقى الذى قلعوهما من الإيوان الذى بالقلعة فارتجّت لهما الصليبة لما نزلوا بهما من القلعة، وقاست الناس فى سحبهما غاية المشقّة، وحصل لهم بهدلة من الضرب والسكّ وخطف العمائم والشدود. ثم فى عقيب ذلك نزلوا بالمكاحل من القلعة وصاروا يربطون الرجال بالحبال فى أرقابهم، ويسوقونهم بالضرب الشديد على ظهورهم ولو أنهم من أعيان الناس، فحصل بسبب ذلك للناس ما لا خير فيه.

وفى يوم الخميس سادس عشرينه رسم السلطان سليم شاه بإحضار ألف رأس من الغنم ومائة جمل ومائة بقرة، فلما أن حضروا بين يديه أمر بأن تفرّق قربانا على مجاورى (٣) الجوامع والمساجد والزوايا ومزارات الصالحين التى (٤) بالقرافة وغيرها من المزارات المشهورة، حتى على أبواب ترب السلاطين المتقدّمة، ففرّقوا ذلك جميعه، وصاروا يذبحون الغنم والبقر والجمال على أبواب الجوامع والمساجد والزوايا ويفرّقونها على المجاورين الذين (٥) بها. وقيل أن سبب ذلك أن لهم عادة فى بلادهم إذا نقلت الشمس إلى برج الأسد يفرّقون هذه القربان على مجاورى (٣) الجوامع والمساجد والزوايا التى (٤) فى بلادهم قاطبة، ففعل مثل ذلك بمصر.

وفيه أشيع أن السلطان سليم شاه نزل فى مركب وتوجّه نحو الآثار الشريف، فقام عليه ريح عاصف فانقلبت به المركب فى البحر، فكاد أن يغرق وأغمى عليه،


(١) يسحبوا: يسحبون.
(٢) كانت: كانوا، وتلاحظ عامية الأسلوب فى العبارات التالية.
(٣) مجاورى: مجاورين.
(٤) التى: الذى.
(٥) المجاورين الذين: المجاوين الذى.