للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المباشرين: افعل كما فعل السلطان الغورى وخذ أجرة أملاك القاهرة سبعة أشهر، وخذ على الرزق والإقطاعات خراج سنة. فلم يسمع لهم شيئا وأبى من ذلك، وقال:

ما أجعل هذا أن يكون فى صحيفتى.

وكان ملكا حليما قليل الأذى كثير الخير، وكانت مدّة سلطنته بالديار المصرية ثلاثة أشهر وأربعة عشر يوما، فإنه تسلطن رابع عشر شهر رمضان، وانكسر وهرب تاسع عشرين ذى الحجة. وكان فى هذه المدة فى غاية التعب والنكد وقاسى [شدائد ومحنا وحروبا وشرورا وهجاجا] (١) فى البلدان، وآخر الأمر شنق على باب زويلة، وأقام ثلاثة أيام وهو معلّق على الباب حتى جافت رائحته، وفى اليوم الثالث أنزلوه وأحضروا له تابوتا ووضعوه فيه، وتوجّهوا به إلى مدرسة السلطان الغورى عمّه، فغسّلوه وكفّنوه وصلّوا عليه هناك، ودفنوه فى الحوش الذى خلف المدرسة، ومضت أخباره كأنه لم يكن، وقد قلت من أبيات:

لهفى على سلطان مصر كيف قد … ولّى وزال كأنه لن يذكرا

شنقوه ظلما فوق باب زويلة … ولقد أذاقوه الوبال الأكبرا

يا ربّ فاعف (٢) عن عظائم جرمه … واجعل بجنّات النعيم له قرا

وكان شنق السلطان طومان باى من نهايات سعد سليم شاه بن عثمان، ولم ينتجح أمره من بعد ذلك، ولم يسمع بمثل هذه الواقعة فيما تقدم من الزمان أن سلطان مصر شنق على باب زويلة قط، ولا علّقت رأس السلطان على باب زويلة قط، ولم يعهد بمثل هذه الواقعة فى الزمن القديم، ومن عهد شاه سوار لما كلبوه على باب زويلة لم يعلّق عليه من له شهرة طائلة غير السلطان طومان باى.

ثم إن ابن عثمان لما شنق السلطان صفا له الوقت وفعل بعد ذلك أمورا يأتى الكلام عليها. ثم أخذ فى أسباب التوجّه إلى نحو بلاده إسطنبول، فأشيع أنه


(١) شدائد ومحنا وحروبا وشرورا وهجاجا: شدايدا ومحن وحروب وشرور وهجاج.
(٢) فاعف: فاعفوا.