فلما بلغ ابن عثمان أن الناس لا تصدّق بمسك طومان باى فحنق من ذلك وعدّى به، فلما طلع من بولاق شقّ من المقس وقدّامه نحو أربعمائة عثمانى ورماة بالنفط، فطلع من على سوق مرجوش وشقّ من القاهرة، فجعل يسلّم على الناس بطول الطريق حتى وصل إلى باب زويلة وهو لا يدرى ما يصنع به. فلما أتى إلى باب زويلة أنزلوه من على الفرس وأرخوا له الحبال ووقفت حوله العثمانية بالسيوف، فلما تحقّق أنه يشنق وقف على أقدامه على باب زويلة، وقال للناس الذين (١) حوله:
اقروا لى سورة الفاتحة ثلاث مرات. فبسط يده وقرأ سورة الفاتحة ثلاث مرات وقرأت الناس معه، ثم قال للمشاعلى: اعمل شغلك. فلما وضعوا الخيّة فى رقبته ورفعوا الحبل فانقطع به فسقط على عتبة باب زويلة، وقيل انقطع به الحبل مرتين وهو يقع إلى الأرض، ثم شنقوه وهو مكشوف الرأس، وعلى جسده شاياه جوخ أحمر، وفوقها ملوطة بيضاء بأكمام كبار، وفى رجله لباس جوخ أزرق.
فلما شنق وطلعت روحه صرخت عليه الناس صرخة عظيمة وكثر عليه الحزن والأسف، فإنه كان شابا حسن الشكل سنّه نحو أربع وأربعين سنة، وكان شجاعا بطلا تصدّى لقتال ابن عثمان وثبت وقت الحرب وحده بنفسه، وفتك فى عسكر ابن عثمان وقتل منهم ما لا يحصى، وكسر هم ثلاث مرات فى نفر قليل من عسكره، ووقع منه فى الحرب أمور ما لا تقع من الأبطال. وكان لما سافر عمّه السلطان الغورى جعله نائب الغيبة عنه إلى أن يحضر من حلب، فساس الناس فى غيبة السلطان أحسن سياسة، وكانت الناس عنه راضية فى مدة غيبة السلطان، وكانت القاهرة فى تلك الأيام فى غاية الأمن من المناسر والحريق وغير ذلك. فلما مات السلطان الغورى عمّه وتسلطن عوضه أبطل من المظالم أشياء كثيرة مما كان يعمل فى أيام الغورى، ولم يشوّش على أحد من الناس فى مدّة سلطنته ولا يقبل فى أحد من الناس مرافعة ولا صادر أحدا من المباشرين فى مدة سلطنته، ولما وصل ابن عثمان إلى الشام وقصد أن يخرج إليه فشكى أن الخزائن خالية من الأموال، فقالوا له الأمراء وجماعة من