للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قطع الرءوس رسم ابن عثمان بإحضار (١) مراكب، فلما حضرت وضعوا فيها [الرءوس الذى قتلوا] (٢)، فلما عدّوا إلى برّ بولاق صنعوا مدارى خشب وعلّقوا عليها تلك الرءوس وحملتها النواتية على أكتافها ولاقتهم الطبول والزمور، ونادوا فى القاهرة بالزينة فزيّنت زينة حافلة، وشقّوا بتلك الرءوس من باب البحر إلى باب القنطرة، وطلعوا بهم من على سوق مرجوش وشقّوا بهم من القاهرة، وكان لهم يوم مشهود. وقيل كان عدّة الرءوس الذى قتلوا فى هذه الوقعة ودخلوا القاهرة نحو ثمانمائة رأس ما بين أتراك وعربان وغير ذلك، والذين (٣) قتلوا هناك وألقوهم فى البحر أكثر من ذلك.

وفى يوم الجمعة حادى عشر ربيع الأول كانت ليلة المولد النبوى، فلم يشعربه أحد من الناس، وبطل ما كان يعمل فى ليلة المولد من اجتماع القضاة الأربعة والأمراء بالحوش السلطانى، والأسمطة التى (٤) كانت تعمل فى ذلك اليوم، وما كان يحصل للمقرئين من الشقق والإنعام فى تلك الليلة، فبطل ذلك جميعه، وأشيع أن ابن عثمان لما طلع إلى القلعة وعرض الحواصل التى (٤) بها فرأى خيمة المولد فأباعها للمغاربة بأربعمائة دينار، فقطعوها قطعا وأباعوها للناس ستائر وسفر. وكانت هذه الخيمة من جملة عجائب الدنيا، لم يعمل مثلها فى الدنيا قط، قيل إن مصروفها على الأشرف قايتباى ثلاثين ألف دينار، وقيل أكثر من ذلك، وكان بها تجمّل لما تنصب يوم المولد الشريف، وكانت كهيئة القاعة ولها أربعة لواوين وفوقهم قبّة بقمريات والكل من قماش، وكان فيها تقاصيص غريبة، وصنايع عجيبة، لم يعمل الآن مثلها أبدا، فكانت إذا نصبت أيام المولد يحضرون (٥) بجماعة من النواتية نحو من خمسائة إنسان حتى ينصبونها فى الحوش السلطانى. وكانت من جملة شعائر المملكة فاتباعت (٦) بأبخس الأثمان، ولم يعرف ابن عثمان قيمتها، وفقدتها الملوك من بعده، فحصل منه الضرر الشامل، وهذا من جملة مساوئه التى فعلها بمصر.


(١) بإحضار: إحضار.
(٢) الرءوس الذى قتلوا: كذا فى الأصل، وتلاحظ علمية الأسلوب فى العبارات التالية.
(٣) والذين: والذى.
(٤) التى: الذى.
(٥) يحضرن: يحضروا.
(٦) فاتباعت: كذا فى الأصل.