حتى يمكّنوها من نقل جثة زوجها، فتحضر له تابوتا وحمالين فيحملوه من بركة الحبش إلى المدينة، فتغسّله وتكفّنه وتدفنه فى تربته إن كان له تربة، وصارت جثث البقية مرميّة هناك تنهشها الكلاب. وكانت هذه الكاينة من أعظم الكواين فى حق الأمراء، وقد ظهروا بالأمان من ابن عثمان ثم غدرهم وقتلهم، فكان لا يثق أحد له بأمان وليس له قول ولا فعل. وقيل كان سبب قتل هذه الأمراء أن السلطان طومان باى لما قتل قاصد ابن عثمان وجماعة من عسكره الذين توجهوا صحبة القضاة الأربعة لما طلب طومان باى الأمان من ابن عثمان، فلما فعل ذلك علم ابن عثمان أنه قد أبى (١) من الصلح فقتل هؤلاء الأمراء ظلما بعد أن أعطاهم الأمان منه، وقد قلت فى هذه الواقعة:
جلّ الذى أفنى عساكر مصرنا … من دولة أتراكها من جركسى
وأتت إلينا دولة الأروام من … أولاد عثمان ذوى الفعل المسى
قتلوا أكابرنا بأيسر حيلة … عملت عليهم لا بأسهام القسى
يا ليت شعرى دولة الأتراك هل … تأتى كما كانت ونذكر ما نسى
= بجامع شيخوا، أراد الأمير أركماس أمير سلاح والأمير تانى بك الخازندار والأمير تمر الحسنى الزردكاش وجماعة من الأمراء المقدمين أن يهجموا على السلطان طومان باى وهو بجامع شيخوا ويقبضوا عليه ويضعوه فى الحديد ويسلموه باليد إلى السلطان سليم خان بن عثمان ويجعلوا لهم وجها عند ابن عثمان، فرد الله تعالى بغيهم على أنفسهم، فنادى لهم ابن عثمان بأن يظهروا ولهم الأمان وكتب لهم أوراقا بالأمان إذا ظهروا، فظنوا أن هذا الأمان يفيدهم وقد حسن لهم الأمير تانى بك الخازندار المقابلة إلى ابن عثمان وقال لهم: ضمانكم على إذا قابلتوه ما يحصل لكم إلا كل خير، فوضعوا تلك الأوراق على رءوسهم ووضعوا فى أرقابهم مناديل وقابلوا ابن عثمان، فلما قابلوه [فى] بركة الحبش وبخهم بالكلام فأغلظ عليه فى القول الأمير أركماس أمير سلاح وقال له: أمن عادة الملوك أن يعطوا الأمان ويغدروا. فحنق منه ابن عثمان وأمر بضرب أعناق الأمراء أجمعين، وقد رد الله تعالى بغى الأمراء على أنفسهم، والذى راموه للسلطان طوماى باى انقلب عليهم، والمجازاة من جنس العمل، والذى قصدوه لطومان باى وقعوا فيه، فعد ذلك من العبر الغريبة، انتهى ذلك، وقد قيل: يا ملوك الترك امضوا … جاء للملك سليم ملككم كان عوارى … والعوارى لا تدوم (١) أبى: أبا.