مجلس كما تقدم، وقتل آخرون من الأمراء الطبلخانات والعشرات والخاصكية وغير ذلك. وصارت الجثث مرميّة فى الرملة إلى سوق الخيل إلى الخيميّين، وقد تناهشت الكلاب أجسادهم. [وصارت الخيول مرميّة فى الرملة وفى الأسواق والأزقّة، وقد قتلوا بالبندق الرصاص فى الوقعة](١).
ولم تقاس (٢) أهل مصر شدّة مثل هذه قط، إلا أن كان فى زمن البخت نصّر المايلى لما أتى من بابل وزخف على البلاد بعساكره وأخربها وهدم بيت المقدس، ثم دخل إلى مصر وأخربها عن آخرها وقتل من أهلها مائة ألف ألف ألف (٣) إنسان، حتى أقامت مصر أربعين سنة وهى خراب ليس بها ديّار ولا نافخ نار، فكان النيل يطلع (٤) وينفرش على الأرض ويهبط فلا يجد من يزرع الأراضى عليه ولا ينتفع به، لكن هذه الواقعة لها فوق الألفى سنة (٥) قبل ظهور عيسى بن مريم ﵇. ثم وقع مثل ذلك فى بغداد فى فتنة هلاكو ملك التتار لما زحف على بغداد وأخربها وأحرق بيوتها، وقتل الخليفة المستعصم بالله وقتل أهلها، واستمرت من بعد ذلك خرابا إلى الآن.
فوقع لأهل مصر ما يقرب من ذلك: وما زالت الأيام تبدى العجائب.
فلما هرب السلطان طومان باى وقتل من قتل من الأمراء والعسكر، رجع السلطان سليم شاه إلى وطاقه الذى فى الجزيرة الوسطى ونصب فى وطاقه صنجقين، أحدهما أبيض والآخر أحمر، وذلك إشارة عندهم لرفع السيف عن أهل المدينة، هكذا عادتهم فى بلادهم إذا ملكوا مدينة وفتحوها بالسيف. - وفى هذا الشهر توفى الشيخ شهاب الدين القسطلانى، وكان علامة فى الحديث وله شهرة طائلة بين الناس، وكان لا بأس به، وكان من أعبان المحدّثين.
وفى هذه الأيام صار الخليفة المتوكل على الله هو صاحب الحلّ والعقد والأمر والنهى فى الديار المصرية، وصارت أولاد السلاطين جالسة فى دهاليز بيته، مثل المقر العلاى على بن المؤيد أحمد وابن الظاهر خشقدم وأولاد الملك المنصور عثمان، وغير
(١) وصارت الخيول … الوقعة: كتبها المؤلف فى الأصل على الهامش. (٢) ولم تقاس: ولم تقاسى. (٣) مائة ألف ألف ألف: كذا فى الأصل. (٤) يطلع: طلع. (٥) الألفى سنة: الألفين سنة.