مسح جميع الوجه من السُّنة أو الإجماع، فقَوِي على هذا مذهب الشافعية بعض القوة، وهذا شيء عَرَضٌ" (١).
المثال الثاني: الخلاف حول إفادة "ثُمَّ" لمطلَق الجمع، وأثره في اختلاف المعنى:
ذهب جمهور النحاة إلى أن "ثُمَّ" تُفيد الترتيب (٢)، "وذهب قومٌ إلى أنها تُرادف "الواو" في بعض تصريفها؛ فلا تُعطي ترتيبًا، واستدلوا على ذلك بأشياء؛ منها قوله تعالى: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢)﴾ [البلد: ١١، ١٢] ثم قال: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البلد: ١٧] فلو كانت للترتيب والمُهلَة لكان طلبُ الإيمان مرتَّبًا على طلب فروعه، وذلك فاسد.
فالمعنى: فلم يقتحم، ولا كان من الذين آمنوا. فالموضع موضع اجتماع، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ [الأعراف: ١١]، والخَلقُ والتصوير في زمان واحد؛ لأنهما راجعان إلى معنى واحد. وقال سبحانه: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢]، والهدايةُ لا تتأخر عن التوبة والإيمان والعمل الصالح …
والجواب: أن ما ذُكر لا دليل فيه؛ أما الآية الأولى؛ فـ "ثُمَّ" فيها على بابها، بمعنى أن الله ﷿ خلق الإنسان، وهداه طريق الخير والشر، فلم يُعطِ مما رُزِق يتيمًا ولا مسكينًا، ثم بعدَ هذا المنع لم يؤمن، ولم ينتظِم في سلك المؤمنين المتواصين بالصبر والمرحمة.