وكان أبو هريرة حريصاً جداً على تبليغ العلم ونشره، وبيان السُنَّة في أية فرصة تسنح له، من هذا ما رواه ابن ماجه بسنده عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:«أَمَّا هَذَا، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(٢).
وكان أبو هريرة دقيقاً ضابطاً لما يحفظ عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعزو ما يُحَدِّثُ به عن رسول الله إلى الرسول الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، ويعزو قول غيره إلى قائله، وإذا قال في شيء برأيه قال:«هَذِهِ مِنْ كَيْسِي»(٣). وقد ثبت هذا بأدلة كثيرة، وأخبار عدَّة منها ما رواه بكير بن الأشج قال: قال لنا بشر بن سعيد: اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة، فيُحَدِّثُ عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُحَدِّثُنَا عن كبعب الأحبار، ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا، يجعل حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كعب،
(١) " مسند الإمام أحمد ": ص ١٤٣، حديث ٧٩٧٣، جـ ١٥، وانظر ابن عساكر: ص ٤٥٤، جـ ٤٧. (٢) " سنن ابن ماجه ": ص ٢٤٢، حديث ٧٣٣، جـ ١. وأخرجه الإمام مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي في كتاب الصلاة. (٣) " إعلام الموقعين ": ص ٦٤، جـ ١.