ومما استدلَّ به الجمهور: أن اللَّه لما ذكر الأنبياء في سورة الأنعام قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام/ ٩٠]، وقد تقدَّم أن الأصح أن الأمر للوجوب، وأن الأمة تدخل تحت الخطاب الخاص به -صلى اللَّه عليه وسلم-. واستدلُّوا أيضًا بقوله تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}[الشورى/ ١٣] الآية، وبقوله:{وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[النساء/ ٢٦].
واحتجَّ الإمام الشافعي (١) على أن شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا بقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة/ ٤٨] وقال: إن الهدى فى قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} والدين في قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} المراد به العقائد دون الفروع العملية بدليل الآية المذكورة.
والحق أنه لا يختص بذلك لما ثبت في "صحيح البخاري"(٢) عن مجاهد أنه سأل ابن عباس: من أين أخذت السجدة في (ص)؟ فقال:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ} إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فسجدها داودُ فسجدها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فهذا نصٌّ صريحٌ مرفوعٌ إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثابت في "صحيح البخاري" على أن سجود التلاوة داخل في قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} وهو ليس من العقائد بالإجماع، فظهر عدم الاختصاص بالعقائد.
وأجاب الجمهورُ عن احتجاج الشافعي بقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا
(١) انظر "قواطع الأدلة": (٢/ ٢١١). (٢) رقم (٤٨٠٧).