مِنْهُمْ فَيُثْنِي بَعِيرَهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَأْخُذُ دِرْعَهُ فَيُقَدّمُهَا فِي عُنُقِهِ، وَيَأْخُذُ تُرْسَهُ وَسَيْفَهُ ثُمّ يَقْتَحِمُ عَنْ بَعِيرِهِ فَيُخَلّي سَبِيلَهُ فِي النّاسِ، وَيَؤُمّ الصّوْتَ حَتّى يَنْتَهِيَ إلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذَا ثَابَ إلَيْهِ النّاسُ اجْتَمَعُوا، فَكَانَتْ الدّعْوَةُ أَوّلًا: يَا لَلْأَنْصَارِ! ثُمّ قُصِرَتْ الدّعْوَةُ فَنَادَوْا:
يَا لَلْخَزْرَجِ! قَالَ: وَكَانُوا صُبُرًا عِنْدَ اللّقَاءِ، صُدُقًا عِنْدَ الْحَرْبِ. قَالَ:
فَأَشْرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْمُتَطَاوَلِ فِي رَكَائِبِهِ، فَنَظَرَ إلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ: الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ! ثُمّ أَخَذَ بِيَدِهِ مِنْ الْحَصَى فَرَمَاهُمْ، ثُمّ قال:
انهزموا، ورب الكعبة! فو الله مَا زِلْت أَرَى أَمْرَهُمْ مُدْبِرًا، وَحَدّهُمْ كَلِيلًا حَتّى هَزَمَهُمْ اللهُ، وَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ. وَيُقَالُ: إنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ. وَيُقَالُ: إنّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ لِلْعَبّاسِ:
نَادِ «يَا أَصْحَابَ السّمُرَةِ!» فَرَجَعَتْ الْأَنْصَارُ وَهُمْ يَقُولُونَ: الْكَرّةُ بَعْدَ الْفَرّةِ.
قَالَ: فَعَطَفُوا عَطْفَةَ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا، قَدْ شَرَعُوا الرّمَاحَ حَتّى إنّي لَأَخَافُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِمَاحَهُمْ أَشَدّ مِنْ خَوْفِي رِمَاحَ الْمُشْرِكِينَ، يَؤُمّونَ الصّفُوفَ وَيَقُولُونَ: يَا لَبّيْكَ! يَا لَبّيْكَ! فَلَمّا اخْتَلَطُوا وَاجْتَلَدُوا [ (١) ] ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى بَغْلَتِهِ فِي رَكَائِبِهِ، يَقُولُ: اللهُمّ، إنّي أَسَلُكَ [ (٢) ] وَعْدَك، لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا. ثُمّ قَالَ لِلْعَبّاسِ:
نَاوِلْنِي حَصَيَاتٍ! فَنَاوَلَهُ حَصَيَاتٍ مِنْ الْأَرْضِ، ثُمّ قَالَ: شَاهَتْ الْوُجُوهُ! وَرَمَى بِهَا وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ: انْهَزِمُوا، وَرَبّ الْكَعْبَةِ! قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عن عاصم بن عمرو بن
[ (١) ] اجتلد: أى ضرب بالسيف. (لسان العرب، ج ٤، ص ٩٨) .[ (٢) ] سألت أسأل، وسلت أسل بمعنى. (لسان العرب، ج ١٣، ص ٣٣٨) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute