غَزْوَةُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مُؤْتَةُ
قَالُوا: لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ مَقْتَلَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، وَوَجَدَ عَلَيْهِمْ وَجْدًا شَدِيدًا، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النّاسَ بِالتّهَيّؤِ لِغَزْوِ الرّومِ، وَأَمَرَهُمْ بِالِانْكِمَاشِ [ (١) ] فِي غَزْوِهِمْ. فَتَفَرّقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عِنْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم مُجِدّونَ فِي الْجِهَادِ، فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْغَدِ، يَوْمَ الثّلَاثَاءِ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ، دَعَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ، سِرْ عَلَى اسْمِ اللهِ وَبَرَكَتِهِ حَتّى تَنْتَهِيَ إلَى مَقْتَلِ أَبِيك، فَأَوْطِئْهُمْ الْخَيْلَ، فَقَدْ وَلّيْتُك عَلَى هَذَا الْجَيْشِ، فَأَغِرْ صَبَاحًا عَلَى أَهْلِ أُبْنَى وَحَرّقْ عَلَيْهِمْ، وَأَسْرِعْ السّيْرَ تَسْبِقْ الْخَبَرَ، فَإِنْ أَظْفَرَك اللهُ فَأَقْلِلْ اللّبْثَ فِيهِمْ، وَخُذْ مَعَك الْأَدِلّاءَ، وَقَدّمْ الْعُيُونَ أَمَامَك وَالطّلَائِعَ. فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ، بُدِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصُدّعَ وَحُمّ. فَلَمّا أَصْبَحَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ صَفَرٍ عَقَدَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِيَدِهِ لِوَاءً، ثُمّ قَالَ: يَا أُسَامَةُ، اُغْزُ بِسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللهِ، اُغْزُوَا وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَمَنّوْا لِقَاءَ الْعَدُوّ، فَإِنّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلّكُمْ تُبْتَلَوْنَ بِهِمْ، وَلَكِنْ قُولُوا: اللهُمّ، اكْفِنَاهُمْ، وَاكْفُفْ بَأْسَهُمْ عَنّا! فَإِنْ لَقُوكُمْ قَدْ أَجْلَبُوا وَصَيّحُوا، فَعَلَيْكُمْ بِالسّكِينَةِ وَالصّمْتِ، وَلَا تَنَازَعُوا وَلَا تَفْشَلُوا فَتَذْهَبَ [ (٢) ] ريحكم. وقولوا: اللهم، نحن عبادك وهم
[ (١) ] الانكماش: الإسراع. (القاموس المحيط، ج ٢، ص ٢٨٧) .[ (٢) ] فى الأصل: «فيذهب» . وانظر سورة ٨ الأنفال ٤٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute