أُسَامَةُ، وَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ: أَذِنْت وَنَفْسَك طَيّبَةٌ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: نَعَمْ! وَخَرَجَ وَأَمَرَ مُنَادِيَهُ يُنَادِي: عَزْمَةٌ مِنّي أَلّا يَتَخَلّفَ عَنْ أُسَامَةَ مِنْ بَعْثِهِ مَنْ كَانَ اُنْتُدِبَ مَعَهُ فِي حَيَاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لَنْ أُوتَى بِأَحَدٍ أَبْطَأَ عَنْ الْخُرُوجِ مَعَهُ إلّا أَلْحَقْته بِهِ مَاشِيًا. وَأَرْسَلَ إلَى النّفَرِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ كَانُوا تَكَلّمُوا فِي إمَارَةِ أُسَامَةَ، فَغَلّظَ عَلَيْهِمْ وَأَخَذَهُمْ بِالْخُرُوجِ، فَلَمْ يَتَخَلّفْ عَنْ الْبَعْثِ إنْسَانٌ وَاحِدٌ.
وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُشَيّعُ أُسَامَةَ وَالْمُسْلِمِينَ، فَلَمّا رَكِبَ أُسَامَةُ مِنْ الْجُرْفِ فِي أَصْحَابِهِ- وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ وَفِيهِمْ أَلْفُ فَرَسٍ- فَسَارَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلَى جَنْبِ أُسَامَةَ سَاعَةً، ثُمّ قَالَ: أَسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَك وَأَمَانَتَك وَخَوَاتِيمَ عَمَلِك، إنّي سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِيك، فَانْفُذْ لِأَمْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لَسْت آمُرُك وَلَا أَنْهَاك عَنْهُ، وَإِنّمَا أَنَا مُنْفِذٌ لِأَمْرٍ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَخَرَجَ سَرِيعًا فَوَطِئَ بِلَادًا هَادِئَةً لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ الْإِسْلَامِ- جُهَيْنَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ قُضَاعَةَ- فَلَمّا نَزَلَ وَادِي الْقُرَى قَدِمَ عَيْنًا لَهُ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ حُرَيْثٌ، فَخَرَجَ عَلَى صَدْرِ رَاحِلَتِهِ أَمَامَهُ مُغِذّا [ (١) ] حتى انتهى إلى أبنى، فنظر إلَى مَا هُنَاكَ وَارْتَادَ الطّرِيقَ، ثُمّ رَجَعَ سَرِيعًا حَتّى لَقِيَ أُسَامَةَ عَلَى مَسِيرَةِ لَيْلَتَيْنِ مِنْ أُبْنَى، فَأَخْبَرَهُ أَنّ النّاسَ غَارُونِ وَلَا جُمُوعَ لَهُمْ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُسْرِعَ السّيْرَ قَبْلَ أَنْ تَجْتَمِعَ [ (٢) ] الْجُمُوعُ، وَأَنْ يُشِنّهَا غَارَةً.
قَالَ: فَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ جَهْمٍ قَالَ: قَالَ بُرَيْدَةُ لِأُسَامَةَ: يَا أَبَا مُحَمّدٍ، إنّي شَهِدْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم يوصى
[ (١) ] فى الأصل: «معدا» .[ (٢) ] فى الأصل: «يجتمع» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute