دُونِي؟ قَالَ الْمُغِيرَةُ: إنّ الْقَوْمَ قَدْ وَاضَعُوهُمْ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَقْدَمَ، فَأَحَبّوا الْأَمْنَ عَلَى الْخَوْفِ. وَقَدْ خَرَجَ نِسَاءُ ثَقِيفٍ حُسّرًا [ (١) ] يَبْكِينَ عَلَى الطّاغِيَةِ، وَالْعَبِيدُ، وَالصّبْيَانُ، وَالرّجَالُ مُنْكَشِفُونَ، وَالْأَبْكَارُ خَرَجْنَ. فَلَمّا ضَرَبَ الْمُغِيرَةُ ضَرْبَةً بِالْمِعْوَلِ سَقَطَ مَغْشِيّا عَلَيْهِ يَرْتَكِضُ، فَصَاحَ أَهْلُ الطّائِفِ صَيْحَةً وَاحِدَةً: كَلّا! زَعَمْتُمْ أَنّ الرّبّةَ لَا تَمْتَنِعُ، بَلَى وَاَللهِ لَتَمْتَنِعَنّ! وَأَقَامَ الْمُغِيرَةُ مَلِيّا وَهُوَ عَلَى حَالِهِ تِلْكَ، ثُمّ اسْتَوَى جَالِسًا فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ ثَقِيفٍ، كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ: مَا مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَعْقَلُ مِنْ ثَقِيفٍ، وَمَا مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَحْمَقُ مِنْكُمْ! وَيْحَكُمْ، وَمَا اللّاتُ وَالْعُزّى، وَمَا الرّبّةُ؟ حَجَرٌ مِثْلُ هَذَا الْحَجَرِ، لَا يَدْرِي من عبده ومن لم يعبده! ويحكم، أتسع اللّاتُ أَوْ تُبْصِرُ أَوْ تَنْفَعُ أَوْ تَضُرّ؟ ثُمّ هَدَمَهَا وَهَدَمَ النّاسُ مَعَهُ، فَجَعَلَ السّادِنُ يَقُولُ- وَكَانَتْ سَدَنَةَ اللّاتِ مِنْ ثَقِيفٍ بَنُو الْعِجْلَانِ بْنِ عَتّابِ بْنِ مَالِكٍ، وَصَاحِبُهَا مِنْهُمْ عَتّابُ بْنُ مَالِكِ بْنِ كَعْبٍ ثُمّ بَنُوهُ بَعْدَهُ- يَقُولُ: سَتَرَوْنَ إذَا انْتَهَى إلَى أَسَاسِهَا، يَغْضَبُ الْأَسَاسُ غَضَبًا يَخْسِفُ بِهِمْ. فَلَمّا سَمِعَ بِذَلِكَ الْمُغِيرَةُ وَلِيَ حَفْرَ الْأَسَاسِ حَتّى بَلَغَ نِصْفَ قَامَةٍ، وَانْتَهَى إلَى الْغَبْغَبِ خِزَانَتِهَا، وَانْتَزَعُوا حِلْيَتَهَا وَكُسْوَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ طِيبٍ وَمِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضّةٍ. قَالَ: تَقُولُ عَجُوزٌ مِنْهُمْ:
أَسْلَمَهَا الرّضّاعُ [ (٢) ] ، وَتَرَكُوا الْمِصَاعَ [ (٣) ] ! وَأَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمّا وَجَدَ فِيهَا أَبَا مُلَيْحٍ، وَقَارِبًا، وَنَاسًا، وَجَعَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَفِي السّلَاحِ مِنْهَا،
ثُمّ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِثَقِيفٍ:
[ (١) ] حسرا: أى مكشوفات الوجوه. (شرح أبى ذر، ص ٤٢٦) .[ (٢) ] الرضاع: جمع راضع، وهو اللئيم. (النهاية، ج ٢، ص ٨٤) .[ (٣) ] فى الأصل: «وترك المضاع» ، وما أثبتناه عن ابن الأثير. والمصاع: المضاربة بالسيف، (النهاية، ج ٢، ص ٨٤) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute