دخل أعرابي على عبد الملك فمدحه فأعجبه، فقال: من أنت يا أعرابي؟ فقال: من عُذْرَة، فقال: أولئك أفصحُ الناس، فهل تعرفُ أهجى بيتٍ في الإسلام؟ قال: نعم، قولُ جرير:
فَغُضَّ الطَّرفَ إنَّك من نُمَيرٍ … فلا كعبًا بَلَغْتَ ولا كِلابا
فقال: أحسنت. فهل تعرفُ أمدَحَ بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم، قولُ جرير:
ألَسْتُم خيرَ منْ ركبَ المطايا … وأنْدَى العالمينَ بطونَ راحِ
فقال: أحسنت يا أعرابي، فهل تعرفُ أرقَّ بيتٍ قيلَ في الإسلام؟ قال: نعم، قولُ جرير:
إنَّ العيونَ التي في طَرفها مَرَضٌ … قَتَلْنَنا ثم لم يُحيينَ قَتْلَانا
قال: أحسنتَ يا أعرابي. فهل تعرفُ جريرًا؟ قال: لا والله، وإني إلى رؤيته لمشتاق. فقال: هذا جرير، وهذا الأخطل، وهذا الفرزدق. فأنشأ الأعرابي يقول:
فحيَّا الإلهُ أبا حَزْرَةٍ … وأزغَمَ أنفَكَ يا أخْطَلُ
وجَدُّ الفرزدقِ أتْعِسْ به … ودَقَّ خَياشِيمَه (١) الجَنْدَلُ
فقال الفرزدق:
يا أرغم (٢) الله أنفًا أنتَ حاملُهُ … يا ذا الخَنَا ومقالِ الزُّورِ والخَطَلِ
ما أنتَ بالحَكَم التُّرْضَى حُكُومتُهُ … ولا الأصيلِ ولا ذي الرأيِ والجَدَلِ
وقال الأخطل:
يا شَرَّ مَنْ حَمَلَتْ ساقٌ على قَدَمٍ … ما مِثْلُ قولكَ في الأقوام يُحتَمَلُ
إنَّ الحكومة ليست في أبيك ولا … في معشرٍ أنتَ منهم إنهم سَفِلُ
وقال جرير:
(١) في (ب) و (خ) (والكلام منهما): خياشمك. والمثبت من "البداية والنهاية" ١٣/ ٤٣، و"مختصر تاريخ دمشق" ٦/ ٤٢. وكذا نقله محقق "ديوان" الأخطل بإثره ص ٣٩١.
(٢) في (ب) و (خ): ما أرغم … والمثبت من "البداية والنهاية" ١٣/ ٤٣، وملحق "ديوان" الأخطل ص ٣٩٠. وفي "مختصر تاريخ دمشق" ٦/ ٤٢: قد أرغم … قوله: الخنا، أي: الفُحش في المنطق، وبنحوه الخَطَل.