وهو الحارث بن عمرو بن عوف بن الحارث بن مُضاض الأكبر، وزاد في البيت ورفعه، ثم طغت جرهم وبغت حتى فسق رجلٌ منهم في الكعبة بامرأة، وقد ذكرهما الجوهري فقال: وإساف ونائلة صنمان كانا لقريش وضعهما عمرو بن لُحَيٍّ على الصفا والمروة، فكان يذبح عليهما تُجاه الكعبة، قال الجوهري: وزعم بعضهم أنهما من جرهم، إساف بن عمرو ونائلة بنت سهل، ففجرا في الكعبة فمسخا حجرين فعبدتهما قريش (١).
وقال ابن الكلبي (٢): لما طال العهد عليهما عُبِدا، قال: وسلَّط الله على جرهم الرعاف فهلكوا، وبقيت منهم بقيَّة.
وقال ابن إسحاق: ثم غلب بنو إسماعيل -لما كثروا وصاروا ذوي قوّة ومنعة- على أخوالهم جرهم فأخرجوهم من الحرم، فلحقوا ببلاد جهينة فأتاهم سيلٌ في الليل فاجتاحهم بمكان يُدعَى بإضم وفيهم يقول القائل: [من الطويل]
كأن لم يكن بين الحَجون إلى الصَّفا … أنيسٌ ولم يسمر بمكة سامر
من أبيات، قلت: وقد اختلفوا في قائل هذه الأبيات، فقال قوم: هي لمضاض الأكبر، وقال عبد الملك بن هشام: هي لعمرو بن الحارث بن مضاض الأصغر وليست لمضاض الأكبر، وذكرها، وقال بعد البيت الذي قاله (٣):
كأن لم يكن بين الحَجون إلى الصفا
ولم يتربع واسطًا فجنوبه … إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضرُ
بلى نحن كنَّا أهلها فأبادنا … صُروف الليالي والجدود العواثرُ
وكنا لإسماعيل صهرًا وجيرة … ولما تَدُرْ فيها علينا الدّوائرُ
وكنا ولاةَ البيت من بعد نابت … نطوفُ ببيت الله والأمرُ نطاهرُ
ملكنا فعزَّزنا فأعظم بمُلكِنا … فليس لحيٍّ غيرنا ثَمَّ فاخرُ
ألم تنكحوا من خير شخص علمتم … فأبناؤه منا ونحن الأصاهرُ
(١) "الصحاح": (أسف).
(٢) في (ب): "الكعبي".
(٣) الأبيات في "السيرة" ١/ ١١٥. أما البيت الثاني: ولم يتربع واسطًا، فليس في "السيرة"، وإنما هو في "الأغاني" ١٥/ ١٨، والبيت الرابع لم نقف عليه لا في "السيرة" ولا في غيرها.