روى الخطيب بإسناده إلى زيد بن أسلم قال (١): استعمل عمر بن الخطاب ﵁ المغيرةَ بن شعبةَ على البَحْرين، فكرهوه وأبغضوه، فعزله عمر، فخافوا أن يردَّه إليهم، فجمع دِهْقانُهم مئة ألف دِرْهم وقدم بها على عمر، فقال له عمر: ما هذا؟ فقال: دفعه إليَّ المُغيرةُ وديعة، وقد ظهرت خِيانتُه. فأحضر عمر المغيرةَ وقال له: يا غُدَرُ، ما هذه الخيانة؟ فقال: كذبَ عدوُّ الله، إنَّما كانت مئتي ألف درهم. فقال: ما حملك على هذا؟ قال: الفَقْرُ والحاجَةُ. فقال الدهقان: واللهِ ما دفع إليّ قليلًا ولا كثيرًا؛ ولكن خِفْنا أن تردَّه إلينا، ونحن نكرهُه. فقال عمر للمغيرةِ: ما حملك على هذا؟ قال: كذبَ عليَّ الخَبيثُ، فأردتُ أن أُخْزِيَه -أو أن أُكْذِبَه.
وحدَّثنا غير واحد عن محمد بن أبي منصور بإسناده عن مسلم بن صُبَيح الكوفيِّ، عن أبيه قال (٢): خطب المغيرة بن شعبةَ امرأةً، وخطبها فتًى من العرب أيضًا، فقالت المرأة: لا بُدَّ من أن يحضُرا عندي وأسمعَ كلامَهما. وكان المغيرةُ أعورَ، والفتى جميلًا، فحضرا، فلما شاهد المغيرةُ جمال الفتى يَئِسَ من المرأة، فأقبل على الفتى وقال: لقد أُوتيتَ جمالًا، فهل عندك شيءٌ غير ذلك؟ قال: نعم. وعدَّد محاسِنَه. فقال المغيرة: كيف حسابُك؟ فقال: ما يسقُطُ مني شيءٌ ولا أدقُّ من الخَرْدَلة. فقال المغيرة: لكني واللهِ أضع البَدْرَةَ (٣) في جانبِ البيت فيُنْفِقُها أهلي ولا أعلمُ بنفادِها حتى يسألوني غيرَها. فقالت المرأة: هذا الشيخُ الذي لا يُحاسبُني، عندي واللهِ خيرٌ من هذا الذي يُحْصي عليَّ مثلَ الخَرْدَل. فتزوَّجت المغيرةَ.
وقد ذكرنا أخبار المغيرة متفرِّقةً وما جرى له مع عليّ ﵇ لَمّا وَليَ الخلافة، وقولَ ابن عباس: رأيتُ عندك هذا الداهية. وذكرنا أخباره مع معاوية بن أبي سفيان وغيرِه.
(١) أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ١٧/ ٧٤ (مصورة دار البشير) من طريق الخطيب، وليس هو في "تاريخ بغداد". (٢) تاريخ دمشق ١٧/ ٨٥ (مصورة دار البشير). (٣) البَدْرَة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم، أو سبعة آلاف دينار. ينظر في "القاموس" (بدر).