وفي "زاد المسير": عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ طلب مفتاحَ البيت يوم الفتح من عُثمان بن طلحة، فذهب عثمان ليعطيه إياه فقال له العباس: بأبي أنت وأمي اجمعه لي مع السقاية، فكفَّ عثمانُ يده مخافة أن يُعْطِيَهُ للعباس، فقال النبي ﷺ: "يا عُثمانُ، هاتِ المفتاحَ" فأعاد العباس قوله، وكف عثمانُ يدَه، فقال رسول الله ﷺ: "هاتِ المفتاحَ إنْ كُنتَ تُؤمنُ بالله واليومِ الآخِرِ" فقال: هاكه يا رسول الله بأمانة الله، ففتح البيت ودخل فنزل جبريل بهذه الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ (٢)[النساء: ٥٨].
قال العلماء: هذه الآية وإن نزلت على سبب فهي عامة في الودائع وغيرها من الأمانات.
وقال الواقدي: أمر رسول الله ﷺ بلالًا أن يمضي إلى عُثمان بن طلحة ويأتيه بالمفتاح، فجاء بلال إليه وقال: إن رسول الله ﷺ يأمرك أن تأتي بمفتاح الكعبة -[ومفتاح الكعبة] يومئذ عند أمه وهي بنت شُهَيْد - فقال لها عُثمان: يا أماه إن رسول الله ﷺ قد أرسل يطلب المفتاح، فقالت له: أعيذك بالله أن تكون الذي يذهب بمأثُرةِ قومِه، فقال: لتدفعنَّه إلي أو ليأتينك غيري فيأخذه منك، فأدخلته في حُجْزَتها وقالت: أي رجل يدخل يده ها هنا؟، فبينما هما على ذلك إذ سمع صوت أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما في الدار وعمر يقول: أخرج يا عُثمان، فقالت أمه: يا بنيَّ خُذْهُ أنت أحب إلي من أن يأخذه غيرك، فأتى به رسولَ الله ﷺ فناوله إياه … وذكر الحديث (٣).
قال الواقدي: وقد سمعت في المفتاح وجهًا آخر عن ابن عمر ﵁ قال: أقبل رسول الله ﷺ[يوم الفتح على بعير لأسامة بن زيد، وأسامة رديف رسول الله ﷺ ومعه
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣٨٠٥٥)، وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" (٩٠٧٣) من حديث الزهري بنحوه. وأخرج الطبراني (١١٢٣٤) من حديث ابن عباس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم" وانظر "السيرة الشامية" ٥/ ٣٥٧. (٢) "زاد المسير" ٢/ ١١٤. (٣) "المغازي" ٢/ ٨٣٣، والحُجْزَةُ: مَعقدُ السراويل والإزار. اللسان (حجز).