قال هشام: دَخل رسول الله ﷺ يوم الفتح، وأُسَيد بن حُضير رضوان الله عليه في كتيبته الخضراء، على ناقته القصواء، وكان نهى عن القتال، فرأى بارقة السيوف فأرسل إلى خالدٍ وقال: أَلم أنْهَكَ عن السيفِ؟ فقال: ما وقع في أُذني إلَّا ضَعِ السيفَ، إنهم قاتلوني فقاتلتهم، فقال رسول الله ﷺ: أَمر الله خيرٌ.
قال الواقدي: قُتِل من المشركين بالخَنْدَمةِ أَربعةٌ وعشرون من قريش، وأَربعةٌ من هُذَيْل، واستُشهد من المسلمين ثلاثةٌ: كُرْزُ بن جابر بن حُسَيْل أَبو عبد الرحمن الفِهري، وأُمه أسماء بنت مالك فِهريَّةٌ، وهو من الطبقة الثالثةِ من المهاجرين، وهو الذي أَغار على سَرْحِ المدينةِ وأَخذ لقاح رسول الله ﷺ في السنة الثانيةِ من الهجرة، ثم منَّ الله عليه بالإسلام في السَّنةِ الثَّانية أيضًا، وشهدَ الحديبيةَ وخيبر (٣).
وعن أبي هريرة قال: أَقبل رسولُ الله ﷺ يوم الفتح فدخل مكَّةَ، وبعث الزُّبير على إحدى المجنَّبتين، وبعث خالدًا على المجنَّبةِ الأُخرى، وبعثَ أَبا عبيدةَ على الحُسَّرِ، فأَخذوا بطن الوادي، ورسولُ الله ﷺ في كتيبةٍ، وقد وبَّشَت قريشٌ أَوباشَها وقالوا: نُقَدِّمُ هؤلاءِ، فإن كان لهم شيءٌ، كُنّا معهم وإن أُصيبوا، أَعطينا الذي سُئِلنا.
قال أبو هريرة: ففطن رسول الله ﷺ فقال لي: "اهتِفْ بالأَنصارِ" فهتفتُ بهم فجاءوا فأَطافوا برسول الله ﷺ فقال: "أَلا تَرَوْنَ إِلى أَوْباشِ قُريشٍ وأَتْباعهم"؟ ثم قال
(١) الغمغمة: أصوات الأبطال في الحرب. (٢) النهيت: صوت في الصدر. والهمهمة: صوت في الصدر أيضًا. وانظر الخبر في "المغازي" ٢/ ٨٢٧، و"تاريخ الطبري" ٣/ ٥٧ - ٥٨، وانظر "السيرة" ٢/ ٤٠٨. (٣) انظر "الطبقات" ٥/ ٩٧ - ٩٨. وعند الواقدي في "المغازي" ٢/ ٨٢٨: أنهما رجلان، والثاني هو: خالد الأشعر، ويقال: حبيش بن خالد الأشعر. انظر "الطبقات" ٥/ ١٩٧ - ١٩٨.