وَتُسْرِعُ، قُلْتُ: أَفْعَلُ. قَالَ: فَحَوَّلْتُهُ إِلَيْهِ وَحَوَّلْتُ الْجَارِيَةَ وَالْمَفَارِشَ، وَأَمَرَ لِي بِمِائَةِ أَلْفٍ.
فَمَضَيْتُ بِالْجَمِيعِ، فَلِشِدَّةِ سُرُورِي بِالْجَارِيَةِ تَرَكْتُهَا عِنْدِي فِي الْمَجْلِسِ، وَأَدْخَلْتُ عَلِيَّ العلويَّ، فَأَخْبَرَنِي بجملٍ مِنْ حَالِهِ، فَإِذَا أَلَبُّ النَّاسِ وَأَحْسَنُهُمْ إِبَانَةً، وَقَالَ لِي: وَيْحُكَ، تَلْقَى اللَّهَ غَدًا بِدَمِي، وَأَنَا ابْنُ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: فَهَلْ فِيكَ خَيْرٌ؟ قَالَ: إِنْ فَعَلْتَ بِي خَيْرًا شَكَرْتُ، ذَلِكَ عِنْدِي دُعَاءٌ واستغفارًا، قُلْتُ: فَأَيُّ الطَّرِيقِ تُحِبُّ؟ ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ مَالا، وَهَيَّأْتُ مَعَهُ مَنْ يُوصِلُهُ فِي اللَّيْلِ، فَإِذَا الْجَارِيَةُ قَدْ حَفِظَتْ عليَّ قَوْلِي، فَبَعَثَتْ بِهِ إِلَى الْمَهْدِيِّ، فَشَحَنَ تِلْكَ الطَّرِيقَ برجالٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءُوهُ بِالْعَلَوِيِّ.
قَالَ: فَلَمَّا طَلَعَ النَّهَارُ طَلَبَنِي الْمَهْدِيُّ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَأَحْضَرَ الْعَلَوِيَّ وَالْمَالَ، بَعْدَ أَنْ كَانَ حلَّفني أَنَّنِي قَتَلْتُهُ، فَحَلَفْتُ، قَالَ: فأُسْقِطَ فِي يَدِي، فَقَالَ لِي: قَدْ حَلَّ دَمُكَ، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي المطبَّق دَهْرًا، وَأُصِبْتُ بِبَصَرِي، وَطَالَ شَعْرِي حَتَّى اسْتَرْسَلَ، قال: فإنّي لكذلك، إذا دُعِيَ لِي، فَمَضَوْا بِي إِلَى مَوْضِعٍ، فَقِيلَ: سلَّم عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ -وَقَدْ عَمِيتُ- فسلَّمت، فَقَالَ لِي: أيُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا؟ قُلْتُ: الْمَهْدِيُّ، قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْمَهْدِيَّ. قُلْتُ: فَالْهَادِي، قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْهَادِي. قُلْتُ: فَالرَّشِيدُ، قَالَ: نَعَمْ، سَلْ حَاجَتَكَ، قُلْتُ: الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ، قَالَ: نَفْعَلُ، فَهَلْ غَيْرُ هَذَا؟ قُلْتُ: مَا بَقِيَ فِيَّ مُسْتَمْتَعٌ لشيءٍ وَلا بَلاغَ، قَالَ: فَرَاشِدًا. فَخَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ ابْنُهُ: فَلَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ بِهَا حَتَّى مَاتَ١.
قُلْتُ: مَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ.
وَعَنْ يَعْقُوبَ الْوَزِيرِ قَالَ: كَانَ الْمَهْدِيُّ لا يُحِبُّ النَّبِيذَ، لَكِنْ يَتَفَرَّجُ عَلَى غِلْمَانِهِ وَهُمْ يَشْرَبُونَ، فَأَعِظُهُ فِي سقيهم النّبيذ وفي الطّرب أقول، مَا عَلَى ذَا اسْتَوْزَرْتَنِي، أَبَعْدَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْجَامِعِ يُشْرَبُ النَّبِيذُ عِنْدَكَ وَتَسْمَعُ السَّمَاعَ؟! فكان يقول: قد سمعت عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، فَأَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ٢.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ: كَانَ أَبِي قَدْ أَلَحَّ عَلَى الْمَهْدِيِّ فِي حَسْمِهِ عَنِ السَّمَاعِ حَتَّى ضَيَّقَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي قَدْ ضَجِرَ مِنَ الْوَزَارَةِ وَتَابَ وَنَوَى التَّرك، قال: فكنت
١ تاريخ الطبري "٨/ ١٥٧-١٦٠"، والبداية والنهاية "١٠/ ١٤٨".٢ تاريخ الطبري "٨/ ١٦٠".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute