الْمَنَاصِبَ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ:
بَنِي أُمَيَّةَ هبُّوا طَالَ نَوْمُكُمُ ... إِنَّ الْخَلِيفَةَ يَعْقُوبُ بْنُ دَاوُدَ
ضَاعَتْ خِلافَتُكُمْ يَا قَوْمِ فاطَّلبوا ... خليفة الله بين الدّنّ وَالْعُودِ
ثُمَّ إِنَّ مَوَالِيَ الْمَهْدِيِّ حَسَدُوا يَعْقُوبَ وَسَعَوْا بِهِ١.
وَمِمَّا حَظِيَ بِهِ يَعْقُوبُ عِنْدَ الْمَهْدِيِّ أَنَّهُ أَحْضَرَ لَهُ الْحَسَنَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِمَكَّةَ، وَدَخَلَ فِي الطَّاعَةِ، فَاسْتَوْحَشَ أَقَارِبُ حَسَنٍ مِنْ صنيع يعقوب، فعلم أنّه إن كانت لَهُمْ دَوْلَةٌ لَمْ يُبْقُوهُ، وَعَلِمَ أَنَّ الْمَهْدِيَّ لا يُنظِرُهُ لِكَثْرَةِ السُّعاة فِي شَأْنِهِ، فَمَالَ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ، وَأَقْبَلَ يُرَبِّصُ لَهُ الأُمُورَ، وَسَعَوْا إِلَى الْمَهْدِيِّ حَتَّى قَالُوا: الْبِلادُ فِي قَبْضَةِ يَعْقُوبَ وَأَصْحَابِهِ، إِنَّمَا يَكْفِيهِ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِمْ فَيَثُورُوا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَلَى مِيعَادٍ، فَيَمْلُكُوا الدُّنْيَا، وَيُسْتَخْلَفُ إِسْحَاقُ بْنُ الْفَضْلِ، فَمَلأَ هَذَا الْقَوْلُ مَسَامِعَ الْمَهْدِيِّ٢.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّوفليّ: فَذَكَرَ لِي بَعْضُ خَدَمِ الْمَهْدِيِّ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا عَلَى رَأْسِ المهديّ، إذا دَخَلَ يَعْقُوبُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَرَفْتَ اضْطِرَابِ مِصْرَ، وَأَمَرْتَنِي أَنْ أَلْتَمِسَ لَهَا رَجُلا، وَقَدْ أَصَبْتُهُ، قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَمُّكَ إِسْحَاقُ بْنُ الْفَضْلِ، فَتَغَيَّرَ الْمَهْدِيُّ، وَرَأَى يَعْقُوبُ تغيُّره، فَقَامَ وَخَرَجَ، وَأَتْبَعَهُ المهديُّ بَصَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَتَلَنِي اللَّهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْكَ، ثم رفع رأسه وقال لِي: اكْتُمْ وَيْلَكَ هَذَا٣.
وَقِيلَ: كَانَ يَعْقُوبُ قَدْ عَرَفَ مِنَ الْمَهْدِيِّ خُلُقَهُ وَنُهْمَتَهُ فِي النِّسَاءِ وَالْجِمَاعِ، وَكَانَ يُبَاسِطُهُ فِي ذَلِكَ، فَذَكَرَ عليّ ابن يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ الْمَهْدِيُّ فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ فِي مَجْلِسٍ مَفْرُوشٍ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَبُسْتَانٍ فِيهِ أَنْوَاعُ الأَزْهَارِ، وَإِذَا عِنْدَهُ جَارِيَةٌ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهَا، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى؟ قُلْتُ: مَتَّعَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَمْ أرَ كَالْيَوْمِ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ، خذ الْمَجْلِسَ بِمَا فِيهِ وَالْجَارِيَةَ. فَدَعَوْتُ لَهُ ثُمَّ قَالَ: وَلِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ. قُلْتُ: الأَمْرُ لَكَ، فحلَّفني بِاللَّهِ، فَحَلَفْتُ لَهُ، فَقَالَ: ضَعْ يَدَكَ عَلَى رَأْسِي وَاحْلِفْ. فَفَعَلْتُ، فَقَالَ: هَذَا فُلانٌ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تُرِيحَنِي منه
١ تاريخ الطبري "٨/ ١٥٦"، والبداية والنهاية "١٠/ ١٤٧-١٤٨".٢ تاريخ الطبري "٨/ ١٥٦".٣ تاريخ الطبري "٨/ ١٥٦".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute