نُسْلِمُهُ أَبَدًا حَتَّى نَمُوتَ مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَ بَاطِلًا، دَفَعْنَاهُ إِلَيْكُمْ، فَرَضُوا وَفَتَحُوا الصَّحِيفَةَ، فَلَمَّا رَأَتْهَا قُرَيْشٌ كَالَّذِي قَالَ أَبُو طَالِبٍ، قَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ هَذَا قَطُّ إِلَّا سِحْرًا مِنْ صَاحِبِكُمْ، فَارْتَكَسُوا١ وَعَادُوا لِكُفْرِهِمْ، فَقَالَ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِنَّ أَوْلَى بِالْكَذِبِ وَالسَّحْرِ غَيْرَنَا، فَكَيْفَ تَرَوْنَ، وَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي اجْتَمَعْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ قَطِيعَتِنِا أَقْرَبُ إِلَى الْجِبْتِ وَالسِّحْرِ مِنْ أَمْرِنَا، وَلَوْلا أَنَّكُمُ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى السِّحْرِ لَمْ تَفْسُدِ الصَّحِيفَةُ، وَهِيَ فِي أَيْدِيكُمْ، أَفَنَحْنُ السَّحَرَةُ أَمْ أَنْتُمْ؟ فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَهِشَامُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَتِ الصَّحِيفَةُ عِنْدَهُ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فِي رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ: نَحْنُ بَرَاءٌ مِمَّا فِي هذه الصَّحِيفَةِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلٍ٢.
وَذَكَرَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ نَحْوًا مِنْ هَذَا، وَقَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ، يَعْنِي حين فارق قومه من الشعب، لقي هندًا بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، فَقَالَ لَهَا: هَلْ نَصَرْتِ اللاتَ وَالْعُزَّى وَفَارَقْتِ مَنْ فَارَقَهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا يَا أَبَا عُتْبَةَ٣.
وَأَقَامَ بَنُو هَاشِمٍ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا حَتَّى جُهِدُوا، لَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ إِلا سِرًّا مُسْتَخْفًى بِهِ. وَقَدْ كَانَ أَبُو جَهْلٍ فِيمَا يَذْكُرُونَ لَقِيَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، وَمَعَهُ غُلَامٌ يَحْمِلُ قَمْحًا، يُرِيدُ بِهِ عَمَّتَهُ خَدِيجَةَ، وَهِيَ فِي الشِّعْبِ فَتَعَلَّقَ بِهِ وَقَالَ: أَتَذْهَبُ بِالطَّعَامِ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَاللَّهِ لَا تَبْرَحُ أَنْتَ وَطَعَامُكَ حَتَّى أَفْضَحَكَ بِمَكَّةَ، فَجَاءَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهُ! قَالَ: يَحْمِلُ الطَّعَامَ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ! قَالَ: طَعَامٌ كَانَ لِعَمَّتِهِ عِنْدَهُ أَفَتَمْنَعُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامِهَا، خَلِّ سَبِيلَ الرَّجُلِ، فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ حَتَّى نَالَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَأَخَذَ لَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لِحَى بَعِيرٍ، فَضَرَبَهُ فَشَجَّهُ وَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا، وَحَمْزَةُ يَرَى ذَلِكَ، وَيَكْرَهُونَ أن يبلغ ذلك
١ ارتكسوا: انتكسوا.٢ مرسل: انظر "البداية" "٢/ ١٠١، ١٠٢".٣ مرسل: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" "١/ ٣٣٢".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute