قوْله تَعالَى:{وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: الخِطابُ هنا يعودُ عَلَى الفاعلِ في {مُنِيبِينَ}، يعني حالَ كَوْنِكُم مُنِيبينَ غيرَ مُشركينَ أيضًا في إنابَتِكُم.
وقوْله تَعالَى:{وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يُشرِكونَ بالله وهو شاملٌ للشركِ الأصغرِ، والشّركِ الأكبرِ، وَهذا يُنهى الإنسانُ أنْ يفعلَ الشّركَ أيًّا كان نوعُهُ، قَالَ شَيْخُ الإسْلَامِ رَحَمَهُ الله:"إِنَّ الشِّرْكَ لَا يَغْفِرُهُ الله وَلَوْ كَانَ أَصْغَرَ، وَالكَبَائِرَ تَحْتَ المَشِيئَةِ"(١)، وَاستدلَّ لِذَلِكَ بقوْله تَعالَى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}[النساء: ٤٨]، ووجهُ الدَّلالةِ من الآيَة أنَّ قوْلَه تَعالَى:{أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} مُؤَوَّلٌ بمصدرِ، فيكونُ المَعنى (إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ إِشْرَاكًا بِهِ)، فهو إِذَنْ نكرةٌ في سياقِ النّفي، فيشملُ جميعَ أنواعِ الشّركِ، وَلِهَذا قال ابنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: "لَأَنْ أَحْلِفَ بِاللهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا"(٢)، لأَنَّ سيئةَ الشّركِ أعظمُ من سيئةِ الكَذِبِ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل ما ذهبَ إِلَيْهِ شيخُ الإسْلامِ صحيحٌ؟
قُلْنَا: ظاهرُ الآية أنه صحيحٌ.
وعَلَى كلِّ حَالٍ: فالشّركُ الأصغرُ لا يُخَلَّدُ صاحبُه في النَّارِ، بل يُعَذَّبُ به ولا بُدَّ.
(١) جامع الرسائل لابن تيمية (٢/ ٢٥٤). (٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٨/ ٤٦٨، رقم ١٥٩٢٩).