أي: رأوا كل من سواهم حقيراً بالإضافة إليهم، ولم يروا العظمة والكبرياء إلا لأنفسهم، فنظروا إلى غيرهم نظر الملوك للعبيد في الأرض وقوله:{بِغَيْرِ الْحَقِّ} ، لأن الاستكبار بالحق إنما هو لله تعالى وهو المتكبر، أي: المتبالغ في كبرياء الشأن، فكل مستكبر سواه فاستكباره بغير الحق ((١)) . قال (- صلى الله عليه وسلم -) فيما يحكيه عن ربه: ((الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني في واحدة منهما قذفته في النار)) ((٢)) .
{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ}
الظن، قيل: إما على ظاهره، أو عبر عن اعتقادهم به تحقيراً وتمهيلاً ((٣)) .
ويقول الرازي في معنى قوله تعالى:{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ} ، فهذا يدل على أنهم كانوا عارفين بالله تعالى، إلا أنهم كانوا ينكرون البعث، فلأجل ذلك تمردوا " ((٤)) .
وقال ابن عاشور: " فذكر (إلينا) لحكاية الواقع وليس بقيد، فلا يتوهم أنهم أنكروا البعث ولم ينكروا وجود الله مثل المشركين، وبتقديم (إلينا) على عامله لأجل الفاصلة، ويمكن أن يكون المعنى: وظنوا أنهم في منعة من أن يقعوا في قبضة قدرتنا " ((٥)) . أو أنهم كانوا يعتقدون بالبعث، ولكن الذي يحاسبهم هو فرعون وليس الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما هو الواقع بدليل قوله تعالى:{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُون} .
ما يستفاد من النصّ
(١) ينظر الكشاف: ٣/ ١٨١. روح المعاني: ٢٠/ ٨٢. (٢) صحيح ابن حبان: ٢ /٣٥. المستدرك على الصحيحين: ١ /١٢٩. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وأخرجه مسلم بغير هذا اللفظ. (٣) روح المعاني: ٢٠/ ٨٣. (٤) مفاتيح الغيب: ١٢/ ٢٥٤. (٥) التحرير والتنوير: ٢٠/ ١٢٤.