أَيِ الْمُبِينِ بَرَكَتَهُ وَخَيْرَهُ، وَالْمُبِينُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ، وَقَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ، وَنُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيُقَالُ: بَانَ الشيء وأبان [اتضح «١»]. (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.) ذَكَرَ قِصَّةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِرْعَوْنَ وَقَارُونَ، وَاحْتَجَّ عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَبَيَّنَ أَنَّ قَرَابَةَ قَارُونَ مِنْ مُوسَى لَمْ تَنْفَعْهُ مَعَ كُفْرِهِ، وَكَذَلِكَ قَرَابَةُ قُرَيْشٍ لِمُحَمَّدٍ، وَبَيَّنَ أَنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَتَجَبَّرَ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ كُفْرِهِ، فَلْيُجْتَنَبِ الْعُلُوُّ فِي الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ التَّعَزُّزُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ، وَهُمَا مِنْ سِيرَةِ فِرْعَوْنَ وَقَارُونَ" نَتْلُوا عَلَيْكَ" أَيْ يَقْرَأُ عَلَيْكَ جِبْرِيلُ بِأَمْرِنَا" مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ" أَيْ مِنْ خَبَرِهِمَا وَ" مِنْ" للتبعيض و" مِنْ نَبَإِ" مفعول" نَتْلُوا" أَيْ نَتْلُو عَلَيْكَ بَعْضَ خَبَرِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ". وَمَعْنَى" بِالْحَقِّ" أَيْ بِالصِّدْقِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَا كَذِبَ." لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" أَيْ يُصَدِّقُونَ بِالْقُرْآنِ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ فَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حَقٌّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) أَيِ اسْتَكْبَرَ وَتَجَبَّرَ، قَالَهُ ابْنُ عباس والسدي وقال قتادة: علا في نقسه عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ بِكُفْرِهِ وَادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ وَقِيلَ: بِمُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ فَصَارَ عَالِيًا عَلَى مَنْ تَحْتَ يَدِهِ." فِي الْأَرْضِ" أَيْ أَرْضِ مِصْرَ. (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) أَيْ فِرَقًا وَأَصْنَافًا فِي الْخِدْمَةِ. قَالَ الْأَعْشَى:
وَبَلْدَةٌ يَرْهَبُ الْجَوَّابُ دَجْلَتَهَا ... حَتَّى تَرَاهُ عَلَيْهَا يَبْتَغِي الشِّيَعَا
(يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي هَذَا فِي" الْبَقَرَةِ" «٢» عِنْدَ قَوْلِهِ:" يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ" الْآيَةَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَهَنَةَ قَالُوا لَهُ: إِنَّ مَوْلُودًا يُولَدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يَذْهَبُ مُلْكُكَ عَلَى يَدَيْهِ، أَوْ قَالَ الْمُنَجِّمُونَ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ رأى رؤيا فعبرت كذلك. قال
(١). في الأصل:" أفصح" وهو تحريف. والتصويب من كتب اللغة.(٢). راجع ج ١ ص ٣٨٤ وما بعدها طبعه ثانية أو ثالثة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute